ترانيم الإنسانيّة بين التّنوير والحداثة؛ الرّؤية الشّاملة لتحديث الفكر العربي في القرن الحادي والعشرين
بقلم: الكاتب الجزائري محجوب أفولاي
منذ النّظرة الأولى يلمع عنوان الكتاب كالنّجم في سماء المعرفة، فيجذب القارئ بنظرة ساحرة، وتتبادر في ذهنه أفكار ومفاهيم تتعلّق بمضمونه. وتجسيد فعليّ بين العنوان والمحتوى، يلتقيّان في لحظة من اللّحظات، ويخلقان معاً صورة كاملة.
يبدو أن مقولة محمود درويش “لا تحكم على الكتاب من عنوانه” تتعرّض للتّحدي، في ترانيم الإنسانيّة أصبح العنوان جزءاً لا يتجزأ من المحتوى، ويجسّد الفكرة الرئيسيّة الّتي يريد المؤلّف أن يقولها للقارئ.
في هذا السّياق، يصبح العنوان أكثر من مجرد عنوان، يصبح مدخلاً إلى عالم الفكر والمعرفة، ويجذب القارئ إلى رحلة استكشافيّة في عالم الأفكار والمفاهيم.
في رحلة عبر الزّمن، ولد كتاب ترانيم الإنسانيّة الفسيفسائيّ، وهو اجتهاد السّنين وخلاصة تجارب عانقها المفكّر التّنويري العراقي فرقد الأغا بكلّ إخلاص.
هذا الكتاب هو انعتاق من أصفاد عبودية العقول، الّتي كانت محتجزة في سجن الفكر الجامد؛ وهو ثورة فكريّة على ساديّة الفكر والأصنام البشريّة الّتي نصّبت أنفسها ناطقة باسم الإله. هو تحدّي للواقع الموجودة، ودعوة للتّفكير الحرّ والابتكار.
في صفحاته، تجد تجارب وتأمّلات وتحليلات عميقة، الّتي تفتح أبواباً جديدة للفكر والتّفكير. هو كتاب يثور على الجهل والتّعصّب، ويفتح آفاقاً جديدة للفهم والتّعايش.
في رحلة فكريّة عميقة، يجمع هذا المزيج المتناسق مقالات في مختلف الميادين ودراسات تحليليّة، وبحثاً حثيثاً في الموروث الدّيني لنزع الغشاوة عن الأعين وكسر الأغلال وإشعال مشكاة النّور لتكون منارة في درب العقلاء، وهذا التّجديد الفكري للأستاذ الآغا لم يسبق لأحد قبله أن جمع بين هذا الكمّ الزّاخر من قضايا أرّقت العيون وأقضت المضاجع وفرّقت الصّفوف وشتّتت شمل أمّتنا.
في هذا الكتاب من الإعتدال والوسطيّة ما يشفي غليل كل باحث عن الحقّ. وأن تسلك طريق الحقّ هذا يعني أنّك تسير في درب موحش مليء بالمطبّات والأشواك والوخزات، وهذا ما يجعل ندرة في سالكيه، ولكنّ من يخطو فيه يجب أن يكون ذو قلب جسور وعقل حرّ متّقد لا تشوبه شائبة من شأنها أن تعكّر صفوه وتحيده عن مبادئه.
الكتاب جامع لمنظومة المبادئ الإنسانيّة وتحقيقاً للمدينة الفاضلة وفق منهج نظري وعملي.
هو رحلة فكريّة عميقة في أعماق الإنسانيّة، ليقدّم لنا رؤية جديدة للمستقبل.
يفتح هذا العمل الفكريّ المُلهم أبواباً جديدة للبحث والتّمحيص، ليقدم لنا موسوعة فكريّة شاملة ومترابطة، مقسّمة إلى أربعة أقسام، كل قسم يعتبر جوهرة فكريّة تثير فينا روح البحث والتّمحيص، ممدّة إياك بوسائل وأدوات تساعدك في تحقيق مرادك لإشباع غريزتك الفكريّة .
القسم الأوّل، وهو جوهرة فكريّة لامعة، يحتوي على مقالات متنوّعة تزخر بكمّ هائل من المعلومات والأفكار المبتكرة، الّتي تهدف إلى إيقاظ الضّمير والعقل العربي، لمواكبة تحدّيات العصر والإنطلاق نحو مستقبل مشرق. هذا القسم يعتبر مدخلاً إلى عالم الفكر والثّقافة العربيّة، الّذي يهدف إلى إحياء وتحديث الفكر العربي، ليكون قادراً على مواكبة تحدّيات العصر.
أمّا القسم الثّاني هو جواهر نادرة تلمع في سماء الفكر متناثرة في أرض جدباء، حيث استنزفت حروب القدماء أبناء الأمّة والّتي باتت خطراً يهدد كيانها، هذه الجواهر هي دراسات عميقة تهدف إلى إغناء الفكر الإسلامي وارتقائه إلى التّحضر، من أجل إشاعة لغة السّلام تحت راية الوحدة وإثرائه بالمنهج الإنساني .
هذه الدّراسات هي تجديد فكري لقضايا جوهريّة أقضت مضاجع الأمّة وجعلتها شيعاً وأحزاباً، هي فكر متجدّد من شأنه انتشال أمّة الإسلام من براثين الحقد ومخلّفات الأوّلين وطمسه بدون رجعة.
هذه الدّراسات تعبّر عن لغة راقيّة للحوار، فيها من جمال الكلمة وروعة الفكرة الممنطقة التي تتماشى مع العقل توازياً لا تقاطعاً.
من خلال هذه الدّراسات تمكّن مفكرنا بكلّ جدارة من ازاحة السّتار عن وجه الحقيقة المُغيّبة، ونزع اللّثام عن كلّ مدلّس كذّاب تلطّخت يداه بدماء الأبرياء، من خلال تصدير فتاوى وأفكار باليّة أجّجت تناحر المسلمين وقادتهم إلى الهلاك وجعلتهم قابعين ومتقوقعين بسجنهم الظلّامي، وسلبهم حريّة التّفكر، ليتفرّدوا بمفهوم الوصاية على العقول ويرتدوا عباءة الدّين وينتحلوا وكالة السّماء .
أما القسم الثّالث، هو مجموعة مبادئ ورسائل إلى أمّة الإسلام، تحت اسم الانسانيّة والسّلام والفكر الحرّ.
هذه الرّسائل هي رسائل أخوّة جامعة، لا مُفرِقة، دعوة للإتّحاد وكسر القيد ونبذ الطّائفية.
هي نداء إنسانيّ يعلو فوق صوت الإختلافات والتّناقضات، ليجمع شمل الأمّة تحت لواء السّلام والتّفاهم، هي رسائل تحمل في طيّاتها قيم الانسانيّة والعدالة والمساواة، دعوة للتّعايش السّلمي والتّعاون المثمر.
في هذه الرّسائل، تجد دعوة للعمل وفق ميثاق المبادئ الإنسانية للقرن الحادي والعشرين، وأسس تقصّي الحقائق، والّتي تؤكّد على الفكر الحرّ والتّفكير النّقدي، وهي دعوة للالتزام باخلاقيّات الحوار الحضاري بعيداً عن الفكر الدوغمائي ومنهج التّدليس والكذب والسبّ الفاحش .
في طياته تأملات نقديّة فلسفيّة في مختلف الميادين، أختزل فيها المفكّر التّنويري مفاهيم ورؤى فلسفيّة وجوديّة واجتماعيّة ونفسيّة تحتاج لدراسة تحليليّة لفهم دلالتها.
في القسم الرابع، تجد مجموعة رسائل من نخبة مثقّفة وقامات فكريّة وأدبيّة، تثني على فكر المفكّر ذو القلم الثّائر، وتشدّ على يده للمُضي قُدماً في طريق الحقّ والعدالة والإنسانية، وتُنصف القيمة الفكريّة التي يحملها، هذه الرّسائل هي رسائل التّضامن والتعاضد والمساندة والتّأييد، الّتي تهدف إلى دعم الفكر الحرّ والتّفكير النقدي.
البيئة الحاضنة لكلّ فكرة حرّة نقية هي شرارة من شأنها تاجيج لهيبها وإحالتها إلى جحيم يطمس كلّ قش بالي.
وهذا ما نفتقده في مجتمعاتنا العربيّة؛ إذ أنّ بيئتنا العربية والإسلامية أصبحت حاضنة وداعمة للتّفاهة، والترحيب بكلّ جلّاد يملك سوطا أكبر، بينما تشيح بوجوهها عن كلّ حرّ يمدّ يده لانتشالها من مستنقع الجهل والهوان .
في آخر مطافنا مع كتاب “ترانيم الإنسانية” الجامع للمواضيع المتنوعة، نجد أنفسنا أمام ثورة فكرية وشعلة تضيء طريق كلّ ناقد وباحث. هذا الكتاب هو كنز من الكنوز الفكريّة.
بينى دفتيه، تجد أسس فكريّة جديدة يمكن اعتمادها كمرجع لإعداد أطروحات تخرّج جامعيّة ورسائل دراسات عليا، تُثري الفكر العربي، وتفتح أبواباً جديدة للبحث والاستكشاف.
هو بمثابة مصدر إلهام لكلّ باحث وناقد، يبحث عن الحقيقة والإنصاف.
في هذا الكتاب، تجد قيمة فكريّة لا تُقدّر بثمن، هي ثروة فكرية تفتح أبواباً جديدة للتّفكير والبحث. هو كنز لمن يدرك قيمته الفكريّة، ويشعر بثقل مسؤوليّته في الحفاظ عليه ونقله للآخرين .