ذات تائهة
=======
( زغير) ، كما في كل ليلة ، يعود متأرجحًا بين الأزقة الضيقة ، يترنح كظل فقد صاحبه ، الشوارع تحفظ خطواته ، والجدران تعرف لمسات يديه ، في هذه الليلة بدت غريبة، كأنها لا تعرفه،
لم يتذكر متى غادر الحانة ، ولا كيف وجد نفسه في هذا الزقاق، كل شيء يبدو مألوفًا، لكنه ليس كذلك الليلة، حتى ضوء المصابيح الشاحب يحترق ببطء، و المدينة تتنفس ببطء عميق،
خطا خطوة ثم أخرى شعر أن الطريق أطول من المعتاد ، هل تاه ؟ مستحيل ، انه يعرف هذا الطريق أكثر مما يعرف وجهه في المرآة ، هو الآن للمرة الأولى يشكّ في أنه سائر نحو بيته،
التفت خلفه ، لم يكن هناك شيء ، لا أثر للحانة ، و لا للميدان الذي يمر منه دائمًا ، فقط عتمة كثيفة تتراجع معه كلما تحرك ، كأنها تطارده ،
توقف عند باب بيت بيته ، مدّ يده المرتجفة ، تردد للحظة – الباب مواربًا ، هل سبقه أحدا إلى الداخل؟ ، هو يعلم ان زوجته لا تتركه مفتوحًا ، دفع الباب ببطء ، دخل، فتش في العتمة عن صوت مألوف.
— خالدية…..
لا جواب.
تقدم بخطوات ثقيلة ، أصابعه تتحسس الجدران ، ملمسها باردًا ، أبرد من المعتاد ، شعر انه لم يعش هنا يومًا ، رأى ضوءًا خافتًا يتسلل من الغرفة الداخلية ، مشى إليه ، هناك، وسط العتمة ، رأى شخصًا يجلس على فراشه ، ظهره نحوه.
— من ؟
لم يتحرك الجالس.
اقترب أكثر ، تسارعت أنفاسه ، رأى وجها في انعكاس المرآة المقابل لم يكن وجهًا غريبًا:
انه هو.
جالسًا هناك ، في ثياب لم يعد يتذكر متى ارتداها ، بوجه لم يعد يعرفه جيدا ، عيناه جامدتان ، تنظران مباشرة إليه ، تخبرانه بالحقيقة التي لم يدركها طوال تلك السنوات:
الطريق لم يكن طويلًا ، هو فقط كان يسير في الاتجاه الخاطئ.
عبد الكريم حمزة عباس
================