قراءة نقدية وفق مقاربة دلالية للعنوان.
القصيدة : “يا حبّ..ما عندك سوء”
الشاعر حمد حاجي (تونس)
الناقدة جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية وفق مقاربة دلالية للعنوان :
أ- العنوان: “يا حب..ما عندك سوء”
“يُعدّ العنوان سمة العمل الفني سواء في النثر أو الشعر اذ يُمثل عتبة أولى من عتبات النص وعنصرا مُهمّا في تشكيل الدلالة فهو علامة تواصلية وأول لقاء
مادي مع المرسل والمتلقي بالإضافة الى كونه يُشكل حمولة دلالية فهو قبل ذلك
إشارة سيميائية . وسيميائيته تنبع من كونه يجسّد أعْلى اقتصاد لغوي يُغري المتلقي بتتبع دلالته “(1).
هذا العنوان الذي ورد وفق أسلوب انزياحي تركيبي قائم على الدعاء بالخير للحبيب يحدّد نوعية علاقة الحبيب بحبيبته:
– هل أن العنوان الذي اتسم بالدعاء بالخير للحبيبة وهو محتوى مصغر للقصيدة
يجسد مَتْنها ويكشف معناها؟
– هل أن العنوان يحمل إدْهاشا للمتلقي في صلب القصيدة؟
ب – التحليل للقصيدة وفق العنوان:
1- البناء المعماري للقصيدة وفق العنوان:
لقد ورد العنوان يتوسط القصيدة بين شقين أو جزأين على طرفي نقيض:
أ – الجزء الأول من القصيدة:
لقد عبر الشاعر باستخدام أسلوب شرطي غاب فيه جواب الشرط عن متعته في حب الحبيبة.
ولعل الشاعر ترك جواب الشرط عبر الفجوات النصية للقارئ باعتبار حبّه قد يمتطي الخيال.
لقد جسد الجزء الأول من القصيدة حبّا جسديّا للحبيبة(تدفن أنفك مثلي بدغل ظفائرها/ تبحث عن قبلة بين أذن وعاطر نوء/ تمسك بين الأنامل شامتها وتصرخ
من لذة وو../ وأدنيت خصرها لكفوف يديك.)
ثم يفترض الشاعر ان الزمان راح بذكرى الهوى ليشرّع للعنوان “يا حبّ..ما عندك سوء” ليبرّر للقارئ أن حبه يتجاوز الزمان والظروف.
انه وحتى وهي بعيدة عنه يدعو لها بالخير .فحبه يتحدى الزمان ولن يتغير نحوها
حتى ولو ان الحبيبة اتخذت ضده اجراءات “تعسفية” ومن هنا يأتي الجزء الثاني للقصيدة.
ب – الجزء الثاني من القصيدة:
لقد ورد معنى العنوان (الدعاء) جسرا بين ضفتين:
– ضفة الحب التي تم الحديث عنها أعلاه.
– ضفة ” تعسّف” الحبيبة عليه ليكون هذا الدعاء بالخير منطقة التقاطع بين منطقتين من الصعب الالتقاء بينهما واذا الدعاء بالخير مثله كمثل جسر عبور
هذا الجسر تجسّد في قول الشاعر:
وهل قلت مثلي
لها حين تمرُض
يا حبّ ..”ما عندك سوء”
وهذا الدعاء ” ماعندك سوء” يتناص مع أغنية تونسية للفنانة سلاف ومع أغنية ليبية كلمات البشير فهمي فحيمة ” مريضة ما عندك سوء”
– وهل أكثر من أنه يعترف بخطئه حتى ولو جمّدت اسمه على شبكات التواصل الاجتماعي فيقول:
وهل قلت مثلي :إذا أسندت لك (بلوك)
أنا مخطئ…
من جماعة .. بو, بو..؟؟
– وهل أكثر من انه وان حظرته من ساحتها ان يعترف بحبها ؟؟ يقول الشاعر:
وهل قلت- ان حظرتك- مثلي:
(أحبك ما هلّ شهر..
وما حام طير بجوّ..)؟
في هذا الاطار فان الشاعر باعترافه بخطئه لو جمّدت الحبيبة اسمه وبوْحه لها بالحب الأبدي لو حظرته من ساحة وجودها فانه يشرّع لعنوانه القائم على الدعاء للحبيبة بالخير.
وهنا ما غاية كل هذا التسامح مع الحبيبة وعدم م حرمانها من دعائه؟
وأكثر من ذلك تلك الصورة التي هي قبضة من الياسمين بيده كعربون صفاء وتسامح ..انه التصالح مع الذات.
– هل ينتظر من الحبيبة استجابة له؟
– هل يمكن أن تستجيب الحبيبة اليه وتراجع نفسها لتعود اليه؟
ج- الدعاء الحقيقي من علامات الحب:
لقد ورد بصحيفة الوطن” الدعاء هو عاطفة حب نقية من الممكن أن توصِلها للآخر دون أن يفقه سرّها .الغريب أنك تكتشف أحيانا أن دعاءك قد اسْتُجِيب فورا
وكأن هناك ملاكا مرّ بك وقال “آمين””.(2).
لعل دعاء الحبيب لحبيبته بالخير يُستجاب له فتستجيب الحبيبة وتلين لصالح الحبيب وقد يتدخل القارئ ليستحضر دلالة الدعاء بالخير للحبيبة قائلا:
“الدعاء للحبيبة يُخبر عن حقيقة مشاعر القلوب وصدقها وقد حث الاسلام على الدعاء لمن نحب بظهر الغيب”(3).
لعل صدق مشاعر الحبيب يكون سببا لاستجابة الحبيبة له.
ولعل دعاء الشاعر الحقيقي والصادق يتناص مع قول أحد الشعراء:
ويكفيني من الدنيا جمالا// دعاءٌ من محبّ دون علمي.
يناجي الله فيسأله هنائي // ويرسل في الدجى لله اسمي
لعل القارئ يجد نفسه في القصيدة وقد تكون تجربة في الحب عاشها.
2- الدائرية بالقصيدة وفق العنوان:
ان العنوان “يا حب ..ما عندك سوء” يمنح القصيدة سمة الدائرية:
ان وحدة المعنى بالقصيدة لا يختلّ إن بدأنا قراءتها من الجزء الأول أو من الجزء الثاني. فكلا الجزءين يعود الى الرابط بينهما وهو الدعاء بالخير وهو الجسر بين الضفتين.
سلم جليل حرف الشاعر حمد حاجي الذي اختار عنوانا له دلالته الاستثنائية
سواءا على معمار القصيدة او على سمة الدائرية.
بتاريخ:09/ 03/ 2025
المراجع:
المراجع: https ://asjp.cerist.dz(1)
أبعاد العنوان ومدلولاته في الشعر العربي المعاصر https://alwatannews.nt(2)
الحب الحقيقي دعاء| صحيفة الوطن.
https://mawdoo3.com(3)
دعاء للحبيب- موضوع
فنجانها الأخير
* - الشاعرة ريما حمزة في الصباح تمسحُ الليلَ عن شفتيها برشفةٍ مُرة، تُقلّبُ الفنجانَ، كأنها تُقلّبُ وجوهَ العابرينَ في ذاكرتها، تقرأُ القاعَ كمن يحدّقُ في مصيرهِ ولا يجرؤُ على السؤال. في...