قراءة نقدية :”القصيدة وعَوْد على بَدْء”
القصيدة: “في حقل القمح”
الشاعر:حمد حاجي (تونس)
الناقدة :جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية:” القصيدة وعوْد على بَدْء”
لقد انتهج الشاعرفي قصيدته منهج الثنائيات وهو يسعى الى الموازنة بينها ككفتي الميزان شكلا ومضمونا:
1 – على مستوى الشكل:
أ- البناء المعماري للقصيدة:
– نظام المقطع :
لقد قسم الشاعر القصيدة الى مقطعين رئيسيين اثنين.
والمقطع الشعري هو وحدة دلالية لها معنى مستقل بذاته عن بقية المقاطع مع ارتباط شامل مع القصيدة.
والمقطعان هنا يرتبطان أيضا بثنائية سنقف عليها في صلب التحليل.
ب – اللوحة المصاحبة:
لم يكن اختيار لوحة التوأم اعتباطا والتوأم ثنائي حقيقي يُوازن بين بقية الثنائيات في تناقضاتها بالقصيدة.
2- على مستوى المضمون
– ثنائية المعصية وطلب الغفران :
لئن جسد المقطع الاول معصية الافطار في رمضان وهي معصية يعاقب عليها الله فان المقطع الثاني جاء في طلب الغفران.
والشاعر هنا يتناص مع النص القرآني مع سيدنا آدم الذي منعه الله من الأكل من الشجرة المحرّمة حين أغواه الشيطان بذلك في سورة البقرة الآية(35)
” وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة وكُلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة”.
تماما كما أغوى شاعرنا الحبّ ونسي صومه وأفطر قبل موعد الافطار.
فيقول الشاعر:
مسكت الكسرة أبحث عن أثر لأناملها..
يا الاهي فطرت قبل الآذان..
كأن الذي كان لم يكن..
وبما ان آدم قد طلب الغفران من الله في قوله تعالى في سورة الأعراف الآية (23) ” قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين”
وقد غفر الله لآدم خطيئته في قوله تعالى بسورة البقرة الآية(37) “فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم”.
في هذا الاطار انتاب الشاعرَ شعورٌ بالذنب وعاتب روحه و أخذ يلومها على قلة دينه.
وبالتالي فان الشاعر طلب المغفرة من روحه أوّلا إيمانا منه بشدة المعصية التي اقترفها من افطار في يوم من رمضان باعتباره كفرا فيقول:
مكثت طويلا أعاتب روحي
ألوم وأقرع قلة ديني
كمن كان يركع ..يجثو الى وثن
وكأن هذا العتاب الروحي كان بردا وسلاما على قلبه قناعة منه ان الله سيمحو له ذنب افطار يومه فيقول:
سيمحو لي الله ذنبي وافطار يومي..
ويكفي المحب.
احتراقا بشوقه في السر والعلن.
ان الشاعر الذي قرر في المقطع الأول الصوم عن الحب وقد خذله الحب في المقطع الثاني ليقترف معصية افطار يوم في رمضان قد استخدم رَوِيّا صوت النون الذي يعبّر عن الأنين :
– أنين الشاعر في الصوم عن الحب وهو المسكون بمشاعر الحب.
– أنين الشاعر في خذلان الحب له حين أغواه ونسي صوْمَه وارتكب معصية.
لعل الشاعر يطرح ثنائية الدين والحب.
ولئن طغى الحب لدى شاعرنا ونسي دينه (ألوم وأقرع قلة ديني) واعتبر نفسه كافرا بإفطار يوم في رمضان(كمن كان يركع..يجثو على وثن..)
فان شمس الدين التبريزي قد يدعم ذلك في جانب من الثنائية معتبرا الحب إيمَانا ودِينًا فيقول:
أدين بدين الحب أنّى توجهت // ركائبه فالحب ديني وايماني.
وشاعرنا قد أضفى على الحب في المقطع الأول قدسية الدين حين ربطه بالصوم
فيقول وهو يستهل المقطع الأول من قصيدته:
عزمت أصوم نهارا بطوله..
أمسك نفسي عن الحبّ..
كنت أخاله يوما من الزمن..
ان الشاعر هنا يطرح ثنائية الصوم الوجداني عن الحب والصوم المادي عن الأكل.
فهل أن جوعه الروحي الوجداني قد حرّك جوعه المادي واذا بالحب يخذله ليرتكب معصية افطار يوم في رمضان؟ يقول الشاعر:
ومدت ليا كسرة سخنة وهي قائلة:
ليس ذا من مقامك..
لكنه من يديها لذيذ مع السمن.
وفي هذا الصدد فان الشاعر قد دعم بامتياز ثنائية الجوع الوجداني والجوع المادي من خلال تلك اللوحة التي ضمنها بالقصيدة فكانت الامّ ترضع أحد طفليها
وتتأمل الطفل الآخر:
– انها تشبع الطفل الأول شبعا ماديا بالرضاعة.
– انها تشبع الطفل الثاني بحنانها وهي تتأمله.
وبالطبع ستعيد لعب الدور عدلا وانصافا للتوأم:
– من كانت ترضعه ستتأمله وتشبعه حنانا.
– من كانت تتأمله ستشبعه حليبا.
وحكمة اللوحة في هذا التناوب على الاشباع الوجداني والاشباع المادي للتوأم تجسده الأم بالجمع بين الوجداني والمادي..
انه تأمل لتركيبة الإنسان في المطلق .
وما الأمّ إلا رمْز للحياة التي رمز لها الشاعر بعنوان القصيدة ” حقل القمح”
فالحقل هو حقل الحياة بما تحتويه من متناقضات والتي عبّرتُ عنها بالثنائيات
ولعل رمزية التوأم الحقيقي تكمُن في الحدّ من حدة الثنائيات باعتبار أن التوأم ككفتي الميزان يوازنان بين طرفي كل ثنائية.
ولعلني أدعم رأيي باللوحة التالية معتبرة التوأم وهما يركبان كل منهما على طرفي “الزنبيل” يجسّدان كفتي الميزان بين المعصية والغفران/ بين الصوم الوجداني والصوم المادي/ بين الدين والحب/ الكفر والايمان/ بين الاشباع الوجداني والاشباع المادي…
سلم قلم المبدع حمد حاجي تأمّلا ووجدانا وعدلا وانصافا ككفتي الميزان.
بتاريخ 12/ 03/ 2025