أثر بلا اسم
حين غادرت نور المقهى، كانت خطواتها تترك وراءها صدى كلمات لم تفارق ذهنها. ذلك الهمس العابر تردد في أعماقها، كأنه سؤال عالق بين الصمت والصدى: “الحياة تضعنا في أماكن لم نتوقعها…”
في غرفتها الصغيرة، حيث يتمدد ضوء الشارع الخافت فوق جدران مثقلة بالذكريات، ألقت حقيبتها بإهمال، ثم أغمضت عينيها للحظة. ما الذي يحدث؟ لماذا تشعر أن شيئًا غير مألوف يتسلل إلى يومها العادي؟
لم تكن ممن تنجرف أرواحهم وراء اللحظات العابرة. كانت ترى العالم بحدسها الحاد، تدرك أن بعض الحكايات تبدأ كنبضة خاطفة، كهمسة عابرة، لكنها نادرًا ما تنتهي ببراءتها الأولى. الإعجاب فنٌّ قديم، ألوانه تتغير، وأساليبه تتجدد، لكنها بقيت دومًا متيقظة، تميّز بين الصدفة الحقيقية والخطوات التي تُحسب بدقة لتبدو كذلك.
في صباح اليوم التالي، وبينما كانت ترتشف قهوتها على ذات الطاولة في المقهى، وقعت عيناها على شيء لم يكن هناك من قبل… ورقة صغيرة وُضعت بعناية، كأنها تنتظرها تحديدًا.
مدّت يدها بتردد، كأنها تلامس سرًّا لم يتضح بعد. قلبتها بين أصابعها، فوجدت رسمة زهرة ناعمة، ورمزًا غامضًا، كأنه توقيع على رسالة لم تُكتب. لا اسم، لا كلمات، مجرد أثر ليدٍ فضّلت أن تُرى دون أن تُفصح عن هويتها.
تراجعت قليلاً، ترمق الورقة بنظرة متوجسة. ما الذي يعنيه هذا؟ ومن أراد أن يترك لها لغزًا دون مفتاح؟
في تلك اللحظة، لم تعد الورقة مجرد قطعة من ورق، بل نافذة إلى عالم خفي، جسر إلى لقاء لم يكتمل بعد، ودعوة صامتة إلى لعبة لا تعرف بعد إن كانت تريد خوضها أم الفرار منها…
راضية بصيلة