كتب رياض الفرطوسي
في دروب الطموح، يتطلع الإنسان إلى صعود القمم، يراوده حلم الجلوس على كرسي القيادة، ذلك المقعد الذي يراه البعض مجداً وسلطة، ويراه آخرون تكليفاً ومسؤولية. غير أن الوصول إلى هذا العرش ليس مجرد أمنية تتحقق، بل اختبارٌ يكشف معادن الرجال، ويُميز بين من يصنع المنصب، ومن يصنعه المنصب.
هل القيادة هِبة أم صناعة؟
ليست كل يد امتدت إلى الكرسي تستحقه، فالمناصب ليست أزياء تُفصل على مقاس الأهواء، بل هي مسؤولياتٌ تحتاج إلى حكمةٍ وخبرةٍ وكفاءةٍ وأخلاق. ومع ذلك، كم من مؤهلٍ أُقصي، وكم من طارئٍ تربع على القمة بفضل الشللية والمحسوبية والواسطة، فإذا بالمؤسسات تتحول إلى ممالك شخصية، يُتوارث فيها المنصب كما تُورث العقارات!
نحن لا نطالب بمعجزة، فقط نريد أن يكون القائد قائداً بحق، لا مجرد اسم يتغير في لائحة المناصب، بينما الفكر يبقى كما هو، والإنجاز لا يتعدى الكلمات المنمقة في تقارير رسمية.
القائد.. بين القوة والحكمة
ليس كل من جلس على مقعد المسؤولية قائداً، فهناك من يظن أن القيادة سُلطةٌ مطلقة، وهناك من يراها عبئاً ثقيلًا، وهناك من يدرك أنها فنٌّ يحتاج إلى توازن دقيق بين الحزم والمرونة، بين القرار والاستماع، بين الصرامة والتحفيز.
القيادي الناجح ليس ذاك الذي يُصدر الأوامر من برجه العاجي، بل من يملك القدرة على التواصل، والإلهام، وصنع بيئةٍ تُشعل الحماس بدلًا من أن تُطفئ الطموح. فهناك فرقٌ بين من يُخيف الناس بسُلطته، وبين من تهابه القلوب احتراماً وإعجاباً.
حين يصبح المنصب قناعاً!
البعض حين يصل إلى السلطة، كأنما يخلع وجهه القديم ويرتدي قناعاً جديداً، ينسى أيام البدايات، ويتنكر لمن كانوا سنداً له. يرى من حوله بنظرة استعلاء، يُحيط نفسه بحاشيةٍ تُملي عليه ما يريد سماعه، حتى يُصبح سجين أفكارهم، يرى بعيونهم، ويسمع بآذانهم، ويتحدث بألسنتهم.
لكن التاريخ لا يرحم، والمناصب لا تدوم، فكم من مسؤولٍ كان يُحيط نفسه بجيوشٍ من المصفقين، وحين سقط، لم يجد إلا الصمت يحيط به، وكم من قائدٍ غادر منصبه لكنه بقي خالداً في قلوب الناس، يُذكر بالخير، ويُدعى له لا عليه.
المنصب لا يُخلِّد أحداً.. بل يختبره
في نهاية المطاف، لا يُخلِّد الإنسان منصباً، بل يُخلّده الأثر الذي يتركه وراءه. فاحرص أن تكون ممن يُذكَرون بأفعالهم، لا بأخطائهم، لأنك يوماً ما ستترك الكرسي، ولن يبقى معك إلا دعوةٌ صادقة، أو حسرةُ مظلومٍ على ما فات.
تذكَّر دائماً: الرجال هم من يصنعون المناصب، وليس العكس!
Discussion about this post