بقلم ، يوسف حسن-
تُرسم التطورات الأخيرة لليونان في المجالين العسكري والدبلوماسي صورة معقدة لدور هذا البلد في معادلات الشرق الأوسط. إن تخصيص “25 مليار يورو” للتحديث العسكري—مع تركيز على أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، والطائرات المسيرة الانتحارية، والسفن الحربية المتطورة—ليس مجرد ترقية دفاعية، بل خطوة استراتيجية لتصبح اليونان “جسرًا ارتباطيًا” لإسرائيل في أوروبا وشرق المتوسط. هذه الاستثمارات، إلى جانب الاتفاقيات السرية مع القوى الغربية مثل فرنسا وأمريكا، تحول اليونان إلى أداة فاعلة لتعزيز أهداف تل أبيب ضد تركيا.
النقطة المحورية هي “التقاء مصالح اليونان وإسرائيل في كبح أنقرة”. التوترات التاريخية بين أثينا وأنقرة حول الحدود البحرية، وموارد الغاز في المتوسط، وقضية قبرص، اكتسبت الآن أبعادًا عابرة للحدود مع دور محوري لإسرائيل. شراء أنظمة “القبة الحديدية” من إسرائيل—التي كانت مُنصبة سابقًا فقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة—هي أول إشارة واضحة لهذا التحالف. هذه الأنظمة لن تعمل على حماية أثينا، بل ستكون درعًا لحماية بنية إسرائيل التحتية من أي هجوم محتمل من الجانب التركي.
لكن تأثير هذا التحالف لا يقتصر على تركيا. “قطر”، رغم البعد الجغرافي، تقع ضمن دائرة التهديدات غير المباشرة لليونان. التعاون العسكري اليوناني مع دول عربية معادية لقطر—مثل السعودية والإمارات—والمشاركة في مشاريع طاقة منافسة لغاز قطر (مثل خط أنابيب EastMed)، تعرّض الدوحة لضغوط اقتصادية وأمنية مزدوجة. هذه الإجراءات تستهدف إضعاف شبكات دعم المقاومة الفلسطينية التي تدعمها قطر.
النقطة التي تستدعي التأمل هي “صمت الاتحاد الأوروبي” تجاه هذه التحركات. يبدو أن الغرب، بتغاضيه عن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي (مثل توسيع المستوطنات غير القانونية)، يستخدم اليونان كأداة لمعاقبة تركيا—بسبب سياسات أنقرة المستقلة تجاه روسيا وسوريا. هذه اللعبة الخطيرة لن تؤجج فقط توترات المتوسط، بل ستدفع قطر نحو التحالف مع لاعبين مثل إيران وتركيا.
في هذا السياق، أصبح مستقبل المنطقة مرتبطًا أكثر من أي وقتٍ مضى بـتوازن القوى الهش بين الكتل الجديدة. اليونان، بتحولها إلى قاعدة عمليات لإسرائيل في أوروبا، تعيد تعريف حدود الشرق الأوسط الجيوسياسية. لكن هذه الخطة تحمل نقطة ضعف جوهرية: اعتماد أثينا على المساعدات المالية للاتحاد الأوروبي، التي قد تتوقف في أي لحظة بسبب خلافات داخلية (مثل أزمة الهجرة). هل تستطيع اليونان أن تلعب دور “جندي إسرائيل” مع الحفاظ على استقرارها الداخلي؟ إجابة هذا السؤال ستحدد نجاح أو فشل هذه اللعبة الكبرى.
Discussion about this post