الكتابة هي مقارعة للموت ورغبة في الخلود وتحد للنسيان
حوار الهام عيسى
منى احمد البريكي كاتبة وناقدة لها عدة مشاركات ضمن لحان تحكيم مجاميع أدبية وثقافيةصدر لها رواية بريق الصمت والتي سلطت الضوء من خلالها على حياة مناضل تونسي دفع حياته ثمنا لمبادئه كما صدر لها مؤخرا رواية بعنوان سديم تقع بين الموت والولادة لها مجموعة قصصية نشرت الكترونيا ومخطوطة شعرية حملت عنوان توق الجلنار لها كتاب في النقد الأدبي هي استاذة تعليم ابتدائي وتتابع تحصيلها العلمي بشكل اكاديمي لتاطير تجربتهافي الكتابة الابداعية تحترم القارىء وتسعى في كتاباتها لتكون في مستوى تطلعاتهم الدستور نيوز حاورتها فكان حوار القلب للقلب
_من هي منى أحمد البريكي؟
كيف تعرّفين نفسك للقرّاء والمتابعين؟
منى أحمد البريكي، روائية وناقدة من القيروان، تونس. أستاذة تعليم ابتدائي، وطالبة سنة ثالثة في الإجازة الأساسية شعبة اللغة والآداب والحضارة العربية بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.
لكل إنسان بداية في عالم الكتابة، كيف كانت بداياتك؟ وكيف ولجتِ عالم الأدب؟ ومن كان الداعم والمشجّع؟
بدأت تجربتي مع الكتابة منذ المرحلة الثانوية، حيث شاركت في مسابقات أدبية وتحصلت على جوائز. تخرّجت معلّمة في سنّ مبكّرة، ثم دخلت سوق العمل وتزوّجت، وبقيت القراءة والكتابة هواية أمارسها في أوقات الفراغ، إلى أن انخرطت في العالم الافتراضي منذ سنة 2014، وانضممت إلى مجموعات أدبية تونسية وعربية، تفاعلت معها وشاركت في أنشطتها. لقيت تشجيعًا كبيرًا من بعض أعضائها الذين تفاعلوا مع محاولاتي القصصية والنقدية، كما شاركت في مسابقات، وكنت عضوة في لجان تحكيم لمجاميع أدبية وثقافية. تلك التجارب حفّزتني على المضي قدمًا، إلى جانب دعم كبير من أسرتي.
برأيك، متى يكون الكاتب مبدعًا؟
الكتابة في رأيي مقارعة للموت، ورغبة في الخلود، وتحدٍّ للنسيان. هي فعل حياة، وإعلاء للصوت في حضرة الصمت، وانتزاع للحروف من جمودها حين نكتبها ضمن حركيّة دالّة تصف البعد الكوني للحبّ والموت. وباعتبار الإنسان قضية كما قال غسان كنفاني، تصبح الكتابة التزامًا بقضاياه، والإبداع لا يتحقق إلا بالتحرر من الرقابة الذاتية الناتجة عن المحبطات الاجتماعية والثقافية، وبالمساءلة الدائمة للوجود والحياة. الكتابة الحقيقية تعبّر عن الهمّ الجمعي بلغة أدبية وأساليب فنية تُجمّل القبح وتستنطق الشرّ بحثًا عن بدائل ترسّخ القيم النبيلة وتكرّس العدالة والحرية. لا إبداع دون حرية.
كيف كانت بدايتك في الكتابة الروائية؟ وهل واجهتك صعوبات؟
لأن الرواية جنس أدبي يمتح من مختلف الفنون، حرصت على التأني. نشرت روايتي الأولى بعد سنتين من بداية كتابتها، واستغرقت كتابة روايتي الثانية “سديم” ثلاث سنوات، بسبب التزاماتي كأمّ ومعلّمة، وأيضًا لصعوبة الكتابة الروائية والتقنيات التي اعتمدتها. أنا أحترم قرّائي، وأسعى لأن تكون رواياتي في مستوى تطلّعاتهم، لذلك أراجع نصوصي مرارًا وتكرارًا.
روايتك الأولى “بريق الصّمت” لاقت صدى طيّبًا. ما الذي يميّزها؟
أردتُ من خلالها أن أكون صوت المهمّش والمنسيّ، فأبحرت في ذوات مستلبة، وهويّات عمياء أخطأت العنوان، ولم تخطئها العولمة المتوحّشة. طرحت أسئلة وجودية من قبيل: كيف نعلي صوت الحبّ في حضرة الحرب؟ كيف ننتصر للحياة من رماد الخراب؟ هي محاولة مني للتعبير عن حزني العميق تجاه وطني العربي، وما تعانيه شعوبه في المناطق المحتلّة والصراعات التي تشعلها قوى خارجية.
كيف اخترت شخصيات الرواية؟ وهل يمكن أن يكون الكاتب أحدها؟
سلّطت الضوء على حياة مناضل تونسي دفع حياته ثمنًا لمبادئه، مستلهمة شخصيته من أمثلة حية لمقاومين تونسيين في السبعينات مثل عمّار الغول ومفتاح الحاجي وميلود الجلاصي. الرجل في الرواية حاضرٌ بالغياب، لكنه محرّك للأحداث ومصير الساردتين: أروى الصمّاء وحياة الصحفية. أمّا الجانب الذاتي، فهو حاضر بقوّة، مهما تقنّع الكاتب بشخصيات يخلقها، لأن الواقع يظل منطلقًا للخيال الذي يعيد تشكيل العالم وشخصياته.
كيف تحوّلين الخاصّ إلى عام، والذاتي إلى موضوعي وفنّي؟
الكتابة مزجٌ سحريّ بين الذاتي والموضوعي، والخاص والعام، يقدّمه الكاتب في قالب فنيّ أدبي يلامس القارئ ويعبّر عن انشغالاته، دون أن يغفل جانب المتعة.
ألا يمثّل كلّ منّا رواية في مكتبة الحياة؟
نعم، كما يقول أحد النقاد: الرواية استعارة كبرى للحياة. الإنسان هو منبع الكتب، وفضاء الحياة لا معنى له دون إنسان يحرّكه. لكل منّا سرديّة حياة تُكتب منذ الصرخة الأولى حتى آخر نفس.
هناك من يرى أن الأدب اليوم في أزمة. ما رأيك؟
لا أتّفق مع هذا الرأي، لأنه تعبير عن أنوات متورّمة ترى الثقافة حكرًا على نخبة منعزلة. الأدب يتجدّد، ولا يجوز الحجر عليه أو التقليل من منجزاته الحديثة.
هل أدّى المثقّف العربيّ دوره تجاه أمّته؟
أرى أن المثقّف العربي لم ينجح كليًا في تحريك السواكن، لأسباب متعدّدة. فهناك مثقف متقوقع غير مبالٍ، وآخر متملّق للسلطة، وثالث عضوي كما سمّاه غرامشي، يحاول التغيير لكنه يصطدم بواقع محبط.
هل تكافأت المرأة مع الرجل وحقّقت المساواة؟
رغم ما حقّقته المرأة التونسية من مكاسب، ما زالت تعاني من التهميش، والفقر، والتشغيل الهشّ، والنظرة الدونية لجسدها. لا يزال الطريق طويلاً، والمجتمع ذكوريّ في جوهره.
هل تؤمنين بحرية التعبير والرأي الآخر؟ وكيف تمارسين ذلك كمربّية أجيال؟
نعم، أعتبر حرية الرأي حقًا دستوريًا لا يُناقش. وأعمل مع تلاميذي على ترسيخ ثقافة الإنصات، واحترام الرأي الآخر، وإدارة الاختلاف بهدوء، في مناخ من الحوار البنّاء.
ما الذي يشكو منه الوسط الثقافي في تونس؟ وأين تقف المرأة التونسية على خارطة الإبداع؟
الثقافة في تونس تعاني من ضعف التمويل والتهميش. لكن المرأة افتكّت مكانتها عن جدارة، وأثبتت حضورها كمًّا ونوعًا رغم العراقيل.
هل نجحت المرأة في كسر قيود المجتمع الذكوري؟
المرأة تكافح بشجاعة، لكنها لن تنجح دون التوافق مع الرجل على مبدإ المساواة الإنسانية. علينا أن نتوحّد كنساء ورجال لننهض بالمجتمع ونلتحق بركب التطوّر.
صدر لك مؤخرًا “سديم” عن دار الكتاب، تونس، وستُعرض في المعرض الدولي للكتاب. ما دلالة العنوان؟ وما رسائل الرواية؟
اخترت عنوانًا شاعريًا وغامضًا. “السديم” سحابة ضبابية تقع بين التكوين والانبعاث، وبين الموت والولادة. العنوان يفتح آفاقًا دلاليّة توحي بالتحوّل، وباللايقين. في الرواية، تنقلب الموازين، ويُسلّط الضوء على الهامش، حيث تتجاذب الشخصيات المتناقضة فضاء الحكاية. هي شخصيات ورقيّة متمرّدة على كاتبتها، وعلى القارئ أن يكتشف الرسائل ويملأ البياضات.
هل ساعدك العالم الافتراضي والانفتاح الإعلامي على الانتشار؟
نعم، أتاح لي ولغيري من الكتّاب فرصًا كبيرة للانتشار، والتفاعل مع القرّاء والنقّاد، وتخطّي الحواجز الجغرافية. وله إيجابيات أكثر من سلبيات إن أحسنّا توظيفه.
ما مشاريعك المستقبلية؟ وهل تنوين النشر في أجناس أخرى؟
لديّ مخطوط مجموعة قصصية منشورة إلكترونيًا، وكتاب في النقد الأدبي، ومخطوط مجموعة شعرية بعنوان “توق الجلنار”. وأسعى لمواصلة دراستي الجامعية لتأطير تجربتي.
ما رسالتك إلى وطنك تونس، وإلى العالم العربي؟
أرجو أن يسود الأمن والاستقرار وطني وسائر الأوطان العربية، وأن تتّحد الشعوب، وتُبنى اتحادات فعالة تتبنّى القضية الفلسطينية، وتنشر الحبّ والسلام، وتنبذ الحروب، وتتسلّح بالعلم لبناء مستقبل أفضل.
Discussion about this post