عيناكِ البحرُ بزرقته
ومدىً لا يعرفُ شطآنا
ما سرُّ السحرِ بموجتهِ
بهديرٍ يعزف ألحانا
قدرٌ أن أبحرَ في عينيكْ
أن أصبحَ يوماً قبطانا
أن أمضي أبداً بشراعي
وأتوه زماناً وزمانا
ما أروعَ أن أعشق أحلى
مَنْ تيَّمَ قلباً ولهانا
سأبوح بعشقي ، معذرة
فالكبتُ يعذّب أحيانا
والسرّ المكنونُ بقصّتنا
قد يغدو يوماً عنوانا
وستقرأُ أجيالٌ عنا
عن عشقٍ مجنونٍ كانا
ويقالُ عشيقتُه جدّي
وطنٌ لا يشبِهُ أوطانا
الشامُ الشامُ حبيبتُه
أعظمْ بالخالقِ ” سبحانا
======
الدراسة الأدبية لقصيدة “العشق المجنون” للدكتور رفعت شميس
(مع تأكيد أن العشق الحقيقي هو عشق الوطن)
أولاً: تحليل العنوان (“العشق المجنون”)
-
العشق: يُحيل إلى الحب الشديد الذي يتجاوز الحدود المألوفة.
-
المجنون: يُضفي صفة التمرد على العقل والمنطق، مما يجعله أقرب إلى العبادة الروحية.
-
الإيحاء: العنوان يعد القارئ بحديث عن حب استثنائي، قد يكون للوطن (كما يتضح لاحقًا).
ثانياً: المضمون العام
تتخذ القصيدة شكل غزلٍ وطني، حيث تُصور الشام (سوريا) كحبيبةٍ تُستعار لها صفات الأنثى (العينان، السحر، الموج). يُقدم الشاعر الوطن كـكائن حي يُعشق بجنون، ويُضحى من أجله بالغالي والنفيس.
ثالثاً: التحليل التفصيلي للأبيات
1. تصوير الوطن كأنثى (الغزل الرمزي):
-
“عيناكِ البحرُ بزرقتهِ / ومدىً لا يعرفُ شطآنا”:
-
العينان هما البحر، رمزًا للجمال والعمق والانتماء.
-
“لا يعرف شطآنا”: إشارة إلى أن حب الوطن لا حدود له.
-
-
“ما سرُّ السحرِ بموجتهِ / بهديرٍ يعزف ألحانا”:
-
الموج والألحان يُجسدان روح الوطن النابضة بالحياة، وكأنها تغري الشاعر بالبقاء.
-
2. العشق كقدر (الانتماء الوجودي):
-
“قدرٌ أن أبحرَ في عينيكْ / أن أصبحَ يوماً قبطانا”:
-
القدر يُظهر حب الوطن كمسيرة حتمية، والقبطان رمز للفداء والقيادة في رحلة العشق.
-
-
“أن أمضي أبداً بشراعي / وأتوه زماناً وزمانا”:
-
التيه هنا إيجابي، فهو اختيارٌ للتضحية في سبيل الوطن.
-
3. الاعتراف بالحب (الانزياح عن المحبوب الفردي):
-
“ما أروعَ أن أعشق أحلى / مَنْ تيَّمَ قلباً ولهانا”:
-
“تيّمَ قلباً”: إشارة إلى أن الوطن هو من يستحق الجنون، لا الأشخاص.
-
-
“سأبوح بعشقي، معذرة / فالكبتُ يعذّب أحيانا”:
-
الكبت يعكس معاناة المنفي أو المغترب الذي يُكتم حنينه.
-
4. الخلود الأسطوري (الوطن في الذاكرة الجمعية):
-
“والسرّ المكنونُ بقصّتنا / قد يغدو يوماً عنوانا”:
-
تحويل الحب الشخصي إلى قصة خالدة ترويها الأجيال.
-
-
“ويقالُ عشيقتُه جدّي / وطنٌ لا يشبِهُ أوطانا”:
-
الانزياح الحاسم: الكشف عن أن “العشيقة” هي الوطن، لا امرأة.
-
“لا يشبه أوطانا”: تفرّد الشام بقدسيتها التاريخية والحضارية.
-
5. التكريس الأخير (الوطن كدين):
-
“الشامُ الشامُ حبيبتُه / أعظمْ بالخالقِ سبحانا”:
-
التكرار (“الشامُ الشامُ”) يُعلي من قيمة الوطن.
-
“سبحانا”: توظيف ديني يُضفي على حب الوطن صفة القداسة.
-
رابعاً: الخصائص الفنية
1. اللغة:
-
سهولةٌ مشبعة بالصور الشعرية (البحر، القبطان، الألحان).
-
توظيف الأسطورة: تحويل العشق إلى حكاية خالدة.
2. الصور البيانية:
-
تشخيص الوطن كأنثى (استعارة مكنية).
-
توظيف الطبيعة (البحر، الموج) لرسم جمال الشام.
3. الإيقاع:
-
نغم موسيقي متدفق (بفضل الجناس في “ألحانا/عنوانا/كانا”).
-
التكرار (“الشامُ الشامُ”) لإثارة المشاعر.
خامساً: الرؤية النهائية (العشق الحقيقي هو عشق الوطن)
القصيدة تُعيد تعريف “العشق المجنون” ليس كحب عابر، بل كـوفاءٍ أبدي للوطن. الشاعر يرفض أن يُختزل الحب في العلاقات الفردية، ويجعل من الشام محورًا للوجود، بل يُقدسها كـدينٍ وطني. هنا، العشق الحقيقي هو التضحية، الذكرى، والانتماء الذي يتجاوز الزمن.
ختاماً:
“العشق المجنون” لرفعت شميس هي قصيدة هوية تُجسد فلسفة الحب الأعظم: حب الأرض الذي يُحرر الروح من كل قيد
Discussion about this post