لا تسألني عن اسمي …
—-
آ. التحليل البنيوي والرمزية
أ. العنوان والثنائية الرمزية:
يُشير عنوان القصيدة “صوص وخنوص” إلى ثنائية رمزية بين حيوانين: الدجاجة (الصوص) والخنزير (الخنوص). تُستخدم هذه الرموز لتمثيل صراع القوة والفساد في المجتمع، حيث يتحول “الصوص” إلى “طائر جارح” ، “العنقاء” ، بينما يصبح “الخنوص” ابن الخنزير – ذئبًا مفترسًا. هذه الثنائية تعكس واقعًا سياسيًا تُسيطر فيه السلطة الجائرة على مقدرات الوطن، مما يخلق بيئةً من العنف والاستغلال .
ب . يبدأ الشاعر مفتتحاً بلا الناهية – لا تسألني عن اسمي . يبدو أن المعاناة جعلته ينسى اسمه – والاسم عنده شيء تافه في قاموس السفهاء الذين يتعاملون مع الناس حسب الطائفة أو الدين …
ب. البنية السردية والهوية الضائعة:
تُجسد القصيدة رحلة الشاعر للبحث عن هويته الضائعة في وطنٍ مُنهك بالفساد:
-
الضياع الوجودي: “أنا المنسيّ – وعنواني؟!” يُظهر تشتت الذات في مجتمع لا يعترف بالفرد إلا عبر التصنيفات الطائفية أو السياسية.
-
التناقض بين الماضي والحاضر: “انبش في رغد الماضي… وابعثر كل الأشياء” يعكس الحنين إلى زمنٍ أكثر استقرارًا، مقابل واقعٍ مُفعم باليأس (“دعني أبكي فدموعي واليأس المرّ واحزاني”).
2. قيم السلام في سياق القصيدة
أ. رفض العنف والحقد:
يؤكد الشاعر رفضه للكراهية والعنف عبر عبارات مثل:
-
“لا أعرف كيف يكون الحقد”.
-
“ويصير – بسطوته – الصوصُ كالطير الجارح”.
هذا يُجسد رؤيته للسلام القائم على التعايش، حيث يُحذّر من تحول السلطة إلى أداة قمعية تُشبه الطيور الجارحة، مما يُذكر بضرورة الحفاظ على التوازن الاجتماعي 7.
ب. السلام الداخلي والكفاح:
رغم اليأس، تظهر إشارات إلى الأمل:
-
“الحُلمُ بقاءْ” و”الصبر رجاءْ”.
-
“أجوب بحار الموت ولا أغرق”.
هنا، يُعبّر الشاعر عن مقاومة الروح الإنسانية للفساد، مُتسلحًا بالصبر كوسيلة للحفاظ على السلام الداخلي رغم العواصف الخارجية.
3. نبذ الطائفية ووحدة الإنسانية
أ. توحيد الأسماء والهويات:
يرفض الشاعر التصنيفات الطائفية والاجتماعية:
-
“في عرفي تتشابه كل الأسماءْ”.
-
“اسمي إن شئت عليّ أو عمرٌ، أو ميخائيلْ”.
يُشير هذا إلى أن الهوية الإنسانية تتجاوز الألقاب الدينية أو العرقية، مما يُعزز فكرة الوحدة في مواجهة التقسيمات المفتعلة 10.
ب. المعاناة المشتركة:
يُبرز الشاعر معاناة الجميع تحت ظل الفساد:
-
“في غصّة أمّ ثكلى… ونواحِ عزاءْ”.
-
“دمعةِ طفلٍ جائعْ”.
هذه الصور تُجسد الوحدة الإنسانية في الألم، حيث تُصبح الطائفية بلا معنى أمام المعاناة المشتركة.
4. نقد الفساد السياسي والسلطة الجائرة
أ. تشريح واقع الوطن:
يُصور الشاعر الوطن ككائن مُستذئب (“في وطنٍ يستذئبُ فيه الخنوصُ”)، حيث تُهيمن القوة الغاشمة:
-
“الصوصُ” يتحول إلى رمز للسلطة الفاسدة التي تستخدم القمع (“كالطير الجارح”).
-
“الخائنِ والبائعْ” يُشيران إلى انهيار القيم الأخلاقية تحت وطأة الفساد.
ب. سردية الضياع والاغتراب:
-
“مع أني في وطني ضائعْ” تعكس اغتراب الفرد في نظامٍ لا يُقدّر الإنسانية.
-
“حدود البلدان” تُلمّح إلى العوائق المصطنعة التي تفرضها السلطة لقمع الحريات.
5. الأبعاد الجمالية واللغوية
أ. اللغة الشعرية بين البساطة والعمق:
-
استخدام كلمات يومية مثل “طفل جائع” و”أم ثكلى” لخلق تواصل عاطفي مع القارئ.
-
الانزياحات اللغوية: “يصير الصوصُ كالعنقاء” (رمز الأسطورة العربية) لربط الفساد بالخراب الشامل 10.
ب. الصور الفنية المؤثرة:
-
التضاد: “الحُلمُ بقاءْ” مقابل “اليأس المرّ”.
-
الاستعارة: “بحار الموت” كرمز للمخاطر التي يواجهها الفرد في مواجهة النظام.
الخاتمة
قصيدة “صوص وخنوص” للدكتور رفعت شميس تُعتبر مرآةً لواقعٍ عربيٍّ يعاني من انهيار القيم تحت سطوة الفساد. الشاعر، عبر رمزية الحيوانات واللغة الشعرية المكثفة، ينتقد السلطة الجائرة وينبذ الطائفية، مُؤكدًا أن السلام لا يتحقق إلا بالوحدة الإنسانية والمقاومة السلمية. القصيدة، بهذا، تُقدم رؤيةً تُجدد الأمل رغم الظلام، وتُذكّر بأن الحلم قد يصير “بقاءْ” إذا ما تمسكنا بالصبر والإنسانية.
Discussion about this post