قراءة نقدية : “الثلاثية الققجية والميتاالثلاثية”
ثلاثية “خناجر زانية”
الكاتبة الهام عيسى (سوريا)
الناقدة جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية: “الثلاثية الققجية والميتاالثلاثية”
المقدمة :
لقد دأبت الكاتبة إلهام عيسى على كتابة الثلاثية في الققج .
وها هي اليوم تطالعنا بثلا ثية “خناجر زانية”.
فما رمزية الرقم(3) الذي اقترن بالأدب؟
“يتواجد الرقم 3بشكل متكرر في الأدب والأساطير حيث يستخدم للتعبير عن المفاهيم الأساسية مثل البداية , الوسط ,النهاية.. في الشعر والروايات تشكل الصيغ المؤلفة من ثلاثة عناصر شكلا جذابا يسهم في عمق النص وجاذبيته” *.
وفي هذا الإطار فإن الكاتبة وَازنتْ بين الشكل الجذاب وعمق النص.
إن هذه الموازنة بين الشكل والمضمون تقتضي سمات محددة في قراءة هذه الثلاثية.
القراءة النقدية: “الثلاثية الققجية والميتاالثلاثية”
أ – في قراءة العنوان “خناجر زانية”
أسندت الكاتبة عنوانا شاملا لثلاثيتها “خناجر زانية” وهو مركب نعتي وصف الخناجر بالزانية .
ولئن كانت الخناجر رمزا للقتل فان زانية رمز للفاحشة وبالتالي فهذا العنوان قد جمع من وجهة نظر دينية بين كبيرتين وهما القتل والزنا:
– لقد حرم الله القتل الا بالحق في سورة الاسراء الآية (33)” ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله الا بالحق”.
– لقد حرّم الله الزنا وقرنه بالشرك وقتل النفس في قوله تعالى (سورة الفرقان (68/ 69):” والذين لا يدعون مع الله إلاه آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا يزْنُون ومن يفعل ذلك يلقَ آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا”
وفي هذا الاطار أين تتجلى كبِيرتا القتل والزنا بالثلاثية؟
ان الكاتبة إلهام عيسى فرّعت الثلاثية الققجية الى ثلاثة ق.ق.ج مُسندة عنوانا فرعيا لكل ق.ق.ج على التوالي:
!- يا لضمير الكون
! – مناجاة
! – للشيطان أجنحة
ان الكاتبة إلهام عيسى اختارت الثلاثية في الق.ق.ج إيمانا منها بأن الق.ق.ج الواحدة قد لا تفي بالرسالة التي تريد تبليغها علما وأن الق.ق.ج مطبوعة بالايجاز لذلك عمدت الى الثلاثية حتى يكتمل الحكي والقص.
وبالتالي فالكاتبة من هذه الناحية تقرّ بجدلية بين الشكل والمضمون. .
ان الثلاثية الققجية تقتضي سمات تتميّز بها وهي سمات على ضوئها يتم التناغم والاتساق بين القصص .ق.ج الثلاث للثلاثية :
1 – سمات وأهداف الثلاثية:
لو تأمّلنا بأهمّ سمات هذه الظاهرة الأدبية الثلاثية نلاحظ أنها تهدف بالأساس الى:
أ- تصوير الواقع.. أي ملمح يميل الى الجانب التصويري؟.
ب – التميّز بالدّائرية (عودة الأبطال بالظهور في معظم المراحل الثلاث).
ج – حصول نفع القراءة من أي مرحلة تبدأ .. مع خيط رفيع رابط بينها.
لعلّ هذا ما جعلنا نعتبر الكاتبة الهام عيسى تنخرط في ظاهرة الثلاثية لتحقّق الملامح الثلاثة السالفة وتحقق الحكائية والقصصية بها.
2 – تجليات السمات الثلاث بثلاثية الكاتبة الهام عيسى ” خناجر زانية “:
أ – تصوير الواقع :
“!+ الققج الأولى (1) :”يا لضمير الكون
اختارت الكاتبة عنوانا للققج الأولى باستخدام أسلوب انزياحي تركيبي قائم على التعجب ..انها تتعجب من ضمير الكون وهي في ذلك لا تخفي عنا نبرتها التهكمية.
وفي هذا الاطار ما الذي يجعلها تتعجب من ضمير الكون؟
استخدمت الكاتبة معجما لغويا (رشقات /تعصف رياح الخريف/ تنذر بموسم حصاد الارواح / زوابع تلف المكان/ تقض المضاجع .)لدعم عملية القتل لضمير الكون الذي تحوّل من صخرة صلبة يستحيل التلاعب بها الى صلصال يسهل تشكيله كما يراد له .
ان الكاتبة تتعجب من موت ضمير الكون الذي تألّب على الوطن ..
انه التحالف العالمي الظالم ضد الوطن (سوريا) فلا أحد من ضمائر العالم قد استيقظ لينصف هذا المكان (سوريا) ويرحم العباد الذين منهم من حُصِدتْ أرواحهم ومنهم من أقضّت مضاجعهم.
!+ الققج (2) مناجاة
أسندت الكاتبة عنوانا للققج الثانية عنوان “مناجاة”
والمناجاة في معجم المعاني الجامع هي الدعاء والتحدث مع الله أو مع أي مخاطَب آخر.
والكاتبة جعلت الأرض تناجي البحر. وهي في ذلك لا تخفي عنا تعجّبها المتهكم.
ولئن كانت الأرض رمزا للمكان الذي تحدثت عنه الكاتبة في الققج الأولى فإن البحر يرمز الى من توهمت الأرض أنه سيخفف عنها آلامها ووجعها لكن هذا البحر الذي طبِع بالتقلب جمع بين السلم والغدر والخيانة فلم تأمن الأرض جانبه (ضمته أمواج البحر بهدوء/ تقيّأ الموج كوابيس جاثمة على شواطئ ناعسة).
ان هذا البحر غادر (خناجر) وخائن (زانية) لأن ما يحيط به ناعس وفي غفلة عن غدره وخيانته.
لذلك كانت محاجر العيون جامدة متحجرة شاخصة كأنها لم تر ظلما أمامها.
والمحاجر كما ورد في مجمع اللغة العربية بالقاهرة هو حجاب العين والتجويف العظمي الذي يحيط بها .
وقد يكون المحجر حسب الموسوعة ويكيبيديا المكان الذي يتمّ فيه استخراج الصخور والمواد الأخرى التي تستخدم في البناء والتشييد والصناعات الأخرى.
وفي الحالتين هناك جمود وتكلس ازاء الظلم المسلط على البلاد والعباد.
!+الققج (3) “للشيطان أجنحة”
تواصل الكاتبة تعجبها فهي تتعجب من امتلاك الشيطان أجنحة والشيطان “كان بربه كفورا” وهو رمز العدو الذي يمارس جريمته المضحكة على أطفال أبرياء(هنا طفلة طلت أظافرها/وأخرى تشبثت بمصروفها وأخرى احتضنت لعبتها).
ان هذا الشيطان يسخر من شعب ضعيف ممثلا في براءة الأطفال والذين انتهك حرمة براءتهم في الليل وهو دليل على جبن الظالم الذي يوظف خناجره الزانية في الليل (كان القمر وحده شاهدا على الجريمة المضحكة) وكانت ردة فعل النهار كسوف كلي ودائم للشمس وهذا يشي باستمرار الظلام فيستوي الليل مع النهار في الظلام وبالتالي انتشار الظلم والقهر الدائم ..
انه ظلم الشيطان الكافر بحق المقهور وحق الإنسان. وهذه الشمس المظلمة قد تكون تهدّد أو تتألم من الطوابير التي لا نهاية لها والأعداد المتزايدة بسجلات الأمم غير الشريفة..
وهنا قد يتساءل القارئ :أي أمم غير شريفة؟
– هل هي الأمم الظالمة؟
– هل هي الأمم المتواطئة مع الظالم؟
– هل هي الأمم المتخاذلة عن الحق؟
وعلى أي حال فهي أمم ظالمة وغير شريفة قد غابت فيها شمس الحق بما عبرت عنه الكاتبة بامتياز بالكسوف الدائم للشمس.
ب – التميّز بالدّائرية (عودة الأبطال بالظهور في معظم المراحل الثلاث).
لقد شهدت الثلاثية عودة الظالم بخناجره الزانية :
– لقد كان الظالم في الققج الأولى يعمل على قتل الضمائر الحية وتطويعها لمصالحه الضيقة فهو يريد تحويل الضمير العربي والضمير العالمي من صخرة صلبة تقاوم ظلمه الى صلصال يشكله كما يحلو له.
انه التواطؤ والتخاذل وسياسة المصالح التي تجردهم من ضمائرهم والانسان بلا ضمير هو لا إنسان.
– ان الأرض المظلومة تناجي البحر في الققج الثانية متوهمة أنه سيخفف عنها لكنه عند تقلبه “في أنيابه العطب” على حد تعبير عنترة.فالبحر لا يُؤتمن جانبه.
– ان الظالم في الققج الثالثة الممثل في الشيطان في كفره انتهك حرمة طفولة بريئة من المفروض هي مستقبل البلاد والعباد بطموحات الأطفال وتطلعاتهم لمصير باسم .انهم عبدة الشيطان والكفر والكاتبة لا تخفي عنا غضبها واستنكارها لكفرهم (ألا بئس ما يعبدون ).
ج – حصول نفع القراءة من أي مرحلة تبدأ .. مع خيط رفيع رابط بينها:
ان الخيط الرفيع الرابط بين مراحل الثلاثية والمتمثل في الخناجر الزانية يجعل حصول نفع القراءة من أي مرحلة يبدأ بها القارئ وهذا ما يميّز الثلاثية في حبكتها الحكائية الشاملة:
– يمكن قراءة الثلاثية نزولا كما وردت حسب ترتيب الكاتبة فنرى الظالم يلعب على الضمير الكوني ليحوّله من الصلابة والمقاومة الى الهشاشة والاستسلام.
إن هذا الاستسلام يجعل المناجاة فاشلة في التخفيف من ألم المُناجي (الأرض) لأن المُناجى (البحر) مُتقلب لا رأي له وهذا يجعلنا نصل الى الجريمة المضحكة التي تستهدف الأطفال الأبرياء من طرف شيطان كان بربه كفورا.
– يمكن قراءة الثلاثية صعودا: من الققج الثالثة الى الققج الأولى:
فيحصل نفع القراءة من شيطان كافر يفتك بالأطفال(ققج 3) فيجعل المناجاة عملية فاشلة وخاسرة (ققج 2)لأن الضمير هش وميت (ققج1) .
– يمكن قراءة الثلاثية من الوسط (الققج الثانية)في علاقة مع النهاية (الققج الثالثة) ومع البداية (الققج الأولى) فيكون حصول نفع القراءة حين نعتبر المناجاة خاسرة وفاشلة بسبب الضمير الكوني الميت (ققج 1) وعبادة الشيطان الكافر(ققج3).
وفي هذا الاطار فان الكاتبة قد لعبت على ثنائية الظالم والمظلوم مما جعلها تستخدم تقنية الثنائيات التي تعددت في ثلاثية “خناجر زانية”:
+ القتل والغدر/ الخيانة (خناجر زانية).
+الضمائر الهشة(صلصال)/ الضمائر الصلبة(صخرة)
+الأرض العذراء المناجِيَة/ البحر المناجَى المتقلب بأمواجه الجاثمة على شواطئ ناعسة.
+ الليل / النهار(القمر والشمس).
+ الايمان (نجوم في قبة السماء / الكفر (الشيطان)
من خلال هذه الثنائيات ومن وجهة نظر “ميتا ثلاثية” فان الكاتبة تهدم ظاهرة وتؤسس لقيمة أخلاقية ثانية:
و”الميتا ثلاثية” هو حديث الثلاثية عن نفسها وعن هاجسها.
ان هاجس الثلاثية “خناجر زانية” هو هدم وبناء:
– ان الكاتبة تهْدم ظاهرة الضمير الكوني الهش وتؤسس لضمير صلب يقظ و مقاوم للظلم.
– انها ترفض التقلب وفق المصالح (البحر) وتدعم العذرية (الأرض) في نقائها وطهارتها وحفاظها على هويتها.
– انها تقوّض ظاهرة الظلم وتنشد شمس الحق.
– انها تهدم ظاهرة الكفر وتنتصر لفضيلة الإيمان.
الخاتمة:
ان الكاتبة من خلال تقنية الثنائيات ومن وجهة نظر “ميتا ثلاثية” تنشد المدينة الفاضلة لبلدها (سوريا) بما في المدينة الفاضلة من فضائل انسانية.
سلم قلم الكاتبة الهام عيسى المسكون بالقيم الانسانية .
لقد أنهيت قراءتي النقدية للثلاثية ونبْعُ الامتاع والمؤانسة لم ينْضبْ بعْدُ.
بتاريخ21/ 05/ 2025
المرجع:
*د. أسامة الرشيدي-اسرار وخبايا الرقم 3.. 12/نوفمبر/ 2024
ثلاثية “خناجر زانية “للكاتبة إلهام عيسى :
1- يالضمير الكون !
رشقات في شقوق الذاكرة .. تعصف رياح الخريف .. تنذر بموسم حصاد الاوراح .. زوابع تلف المكان تقض المضاجع .. هكذا وجدوا تدوينا في ضمير الكون : ( اصنعوا منها صلصالا لكسر صخرة الضمائر ) .. !
2 – مناجاة !
الارض بدت بصورة عذراء
عبر بين المسارب والسبل
توقفت الرياح انزل الساري
ضمته امواج البحر بهدوء
تقيأ الموج كوابيس جاثمة
على شواطيء ناعسة
رسم بريشته ..
اخر مناجاة له للبحر ..
ستمضغون حتما ..
بمحاجر متحجرة
3 – للشيطان أجنحة !
تجمعن نجوم في قبة السماء .. اخذن يلطمن امام الرب ..
كان القمر وحده شاهدا على الجريمة المضحكة .. فيما اختذلت الشمس ردة فعلها بكسوف كلي دائم .. قالت حياءً من ارواح المفجوعين ..
الطوابير بلا نهاية .. والاعداد تتزايد بسجلات الامم غير الشريفة ..
هنا طفلة طلت اظافرها حديثا واخرى تشبثت بمصروفها واخرى احتضنت لعبتها.. ايدي اطفال خضبة كقلوبها ملاعب مرتعة .. الا بئس ما يعبدون !
Discussion about this post