د. مريم محمود العلي
منذ القدم والغموض في الطبيعة جعل الإنسان ينسج الأساطير والحكايات الغريبة حتى عشقها تماما وأخذ يستمع إليها متشوقا ومغرما وعندما يعود لقصها على أطفاله يتفنن بها بقدر مايمتلك من خيال وتصويرللواقع وبهذا تكون القصة التي كان يطلق عليها حكاية مرافقة للإنسان في كل مراحل تطوره.
تطورت الحكاية ولبست ثوب الرواية أو القصة الطويلة وجاء عصر السرعة وبرزت ملامح القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا التي تفوقت على بعض الأجناس الأدبية في بعض الأحيان حسب الأبداع الذي تمتلكه وأصبحت من فنون الكتابة الجميلة السائدة واستطاعت أن تحتوي هموما وقضايا إنسانية وتعبر عن مشاكل الناس ببراعة متألقة فظهرت بإطار من النضج الفكري والفني
ولم تعد حكاية مسلية أو قصة نستمتع بسماعها بل أضحت قصة تخدم الإنسانية وموضوعاتها تكشف عن دلالات يجهلها الإنسان العادي ويدركها الإنسان الفنان الذي ينسجها في عناصر ..اللغة .. الإسلوب ..الرمز .. الحبكة ..الخ
وأخذت القصة القصيرة تدل على تجربة فنية تصور الواقع بمتناقضاته أو الخيال الهارب من احباطات الواقع المؤلم.
موضوع القصة القصيرة ربما يكون قديما أو حديثا .. لكن طريقة صياغته تختلف من كاتب إلى آخر حسب رؤية كل منهما المهم أن يعطي الموضوع شكلا فنيا جديدا
ويلقي عليه عناصر الإثارة والإدهاش والحيرة لتظهر القصة نموذجا حيا يحاكي الفكر والعواطف بالتصوير السريع والقالب الفني المتميز
ويستطيع الكاتب أن يقدم للقصة القصيرة اضافات أدبية في مجالي الرؤية والبناء ليؤكد أهمية هذا الجنس الأدبي … تتجسد هذه الإضافات في قضايا عالمنا حيث تبرز المؤشرات الأساسية فيه لأنها المدخل الهام لرؤية شاملة
إن أكثر كتاب القصة القصيرة يهملون الأشخاص الذين كانوا فيما مضى محور القصة ويكتفون بنقل بعض الأحداث وتجسيدها وهذا ليس سهلا لأنه يحتاج موهبة فنية قادرة على التصوير وهم كتاب الواقعية
ومنهم من يغرق في الرمزية فلا تجد الكاتب في النص القصصي بل تجد فكرا يريد التعبير عن ثقافته العالية التي يترفع بها والتي يريد من خلالها القول أنه من الفئة الأرستقراطية في الأدب
ومن الكتاب من يكتب القصة الرومانسية ليجسد أحلامه الخيالية هاربا من قيود المكان والزمان محلقا حيث الحرية .. والعدل .. والسلام ..والمحبة
ومنهم من يكتب بأشكال مختلفة .. يقترب تارة من الواقع .. وتارة يحلق بعيدا ..
ومرة يغرق في الرمزية
هذه الأمور أعطت القصة القصيرة مضمونا وبنية وشكلا جديدا ومنحتها الجرأة نحو الإبتكار والتجديد لتكون في مقدمة الفنون الأدبية.
ويمكننا التعرف على نماذج من
القصة القصيرة منذ بداياتها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث وضع الفيلسوف فريدريك نتشه بعض فلسفته في قالب قصصي في كتاب “هكذا تكلم زارادشت”
وأيضا نجد لجبران خليل جبران بعض القصص القصيرة في مجموعتيه العربية والمعربة ومنها القصة القصيرة جدا كقصة “الثعلب ”
وظهرت القصة القصيرة أقوى في منتصف القرن العشرين عند نجيب محفوظ (همس الجنون ) و(دنيا الله)
وعند يوسف السباعي ويوسف ادريس
وبدأت تطورها السريع تزاحم فنون الكتابة وظهر عدد كبير من كتاب القصة القصيرة المتميزين
منهم الكاتب العراقي محمد خضير ( المملكة السوداء )
الأديب السوري جاسم الحسين
وعبدالسلام العجيلي
وساهمت المرأة في مجال القصة القصيرة
منهن الكاتبة القطرية نورة السعد ومجموعتها القصصية (بائع الجرائد)
البحرينية فوزية رشيد ( امرأة ورجل
الاماريتية سلمى مطر سيف ( هاجر)
والسعودية رجاء عالم نهر الحيوان
والسورية : الدكتورة ناديا خوست ومجموعتها مملكة الصمت
أيضا ظهرت مجموعات قصصية لأدباء شقت طريقها في مسيرة الأدب الحديث منها ” الكرسي الدوار و أسرار زوجية للأديب زياد الأحمد
ومجموعة قصصية لي بعنوان “ظمأ فارغ”
ويبقى للقصة القصيرة نكهة أدبية خاصة تمتع القارئ وتشده لقراءتها.
Discussion about this post