قـــراءة في ثلاثية ق ق ج ” دهاليز مظلمة ” للكاتبة إلهام عيسى / سوريا
بقلم الناقدة سعيدة بركاتي /تونس 🇹🇳
+++++++++++
** دهاليز مظلمة ثلاث ق ق ج
تحت هذا العنوان الكبير تدعونا المبدعة إلهام عيسى إلى الدخول إلى دهاليز مظلمة ، ربما للمؤانسة أو لإنارة ظلمتها معا أو لعل في ولوجنا إليها نحتاج إلى مصباح ينير الدرب .
الكاتبة لم تأتي بجديد عند وصفها للدهاليز بــ”مظلمة ” و منحتها كعنوانا رئيسا لثلاثية في الــ ق ق ج : اقتناص / ضمير مثقوب / ارتجاج/ ، فنسأل السؤال العادي : ما هي العلاقة بين هذه العناوين و العنوان الرئيس للقصص ؟
الدهليز حسب معجم المعاني الجامع :منعطفات و أماكن لقاءات خفية ، و هو مسلك ضيق و طويل كان سردابا ، قبوا ، خندقا …و في العنوان كل هذه الدهاليز مظلمة “بداية التشويق الذي تتوخاه في أسلوبها لتتبع أحداث القصص ”
========
القصة الأولى : اقتنــــاص
========
اقتناص :هو مصدر من الفعل الخماسي اقتنص ، بمعنى اصطاد ،و ظفر بالشيء و عادة ما يقترن الفعل باقتناص الفرصة (حسب تعريف قاموس المعاني )
لوحت له بيدها من ثقب الباب ..
طبعت قبلة الوداع الاخير على قطعة شاش كانت قد عقمت بها جرحه.
اختنق الصمت في حنجرتها حيمنا احيل الشاش كفنا ..
كانت المقبرة شاهدا وحيدا مثبتا في الاعناق .. عنون قبره ..
دفن بدون تصريح للاستيلاء على الميراث
#القـــراءة :
يكون الاقتناص مرتبطا أوله بالغدر و آخره بالموت ، و اقتناص للحظة و تحويل كل مجرياتها بالمصلحة الخاصة ، واقتناص لحظة اخرى وهي الفرصة التي لن تتكرر …
و من الاقتناص الكثير ، فما نوعه في قصتنا ؟
لوحت له بيدها من ثقب الباب ..
كيف للتلويح أن يكون من ثقب الباب ؟ قد يشعر المتلقي بالاختناق في هذا المكان الضيق ، وكيف سيظهر هذا التلويح المبتور رغم أنه باليد ؟ تلويح مسروق أو يخاف من عيون الناظرين . كأنه تلويح سجين .
قد كثفت القاصة من الأحداث و الحركة في النص :أولهما لوحت ثم طبعت :وداع و توقيع .
الحالة : حادث أدى إلى موت مفاجئ فانحبست الصرخة في الحنجرة .
الأحداث : حادث / موت / دُفِن دون تصريح
اقتناص اللحظة : الاستلاء على الميراث
القصة بطلتها إمرأة ودعت فقيدها بتلويح مبتور و من مساحة ضيقة “ثقب الباب”و ربما (ستُحرم من الميراث) فهي الوحيدة التي تحرك أحداث القصة والقصة من مجتمعنا العربي الشرقي حيث تُحرم الأنثى من الميراث قصة سرق الموت الحياة و سيسرق نصيب المرأة من الميراث ،فالاقتناص في القصة انتهاز فرصة الموت و الدفن دون تصريح :تنتاب المتلقي الريبة : لماذا و كيف يُدفن الميت دون تصريح ؟
أسئلة تقترن بالحيرة و التعجب …
الذي يدفن دون تصريح فهو يدفن في ظلمة الليل (هذا الزمن : عتمة و ظلمة )
المكان : مقبرة ، وفي نفس الوقت هي الشاهد على ما “فعلوه بالميت” فالحقيقة ستظهر مهما حاولوا اخفاءها .
الغاية :الاستيلاء على الميراث .
بعض الأفعال كانت مبنية للمجهول : عنون / دُفن ،فالفاعل غير مهم بقدر ما يهم الفعل .
فحوصلة القصة :بطلتها تخوض صراعا مع أهل الميت و هي الأنثى الوحيدة بالعائلة و من أهله أيضا ضيقوا عليها الخناق حتى التلويح لوداعه كان من مساحة ضيقة جداً “ثقب باب” و كأنها مسجونة إلى أن يتم الدفن و اقتسام الميراث .
القصة الثانية : ضمير مثقوب
=========
ضمير مثقوب ..!
قيدت على سرير الظلم
كتب على الملف انفصام عقلي ..اخذ الدكتور بيمينه جهاز الكهربا وبدا يصعقها …بينما يده اليسرى كانت تقبض على حفنة من ميراث والدها ..
ثمة اعتلال بنطق الشهادة .. وللذكر ما ؤد قسرا ..!
#القـــراءة :
القصة مدججة بأفعال الشر : قيدت /يصعقها / شُلت الحركة .
خيانة الضمير المهني و القسم الوظيفي من طرف الطبيب .
الرشوة لتزييف المعطيات من طرف أهل المريضة
الظلم المسلط على البطلة :كتب على الملف : الفعل مبني للمجهول : المهم الفعل و ليس الفاعل (حال القصة الأولى ).
انفصام عقلي :و بكل اختصار مرض نفسي ما يسمى بالانجليزية : Schizophrenia وهو مرض مزمن يؤثر في تفكير الشخص و ادراكه و سلوكه فيبدو كأنه منفصل عن الواقع (حسب موقع الطبي ) ، فيتضح أنه تحاك مؤامرة ضد البطلة التي غيبوها عن الواقع بأوراق رسمية ممضاة من طرف طبيب مرتشي كانت يداه ملطختان بالظلم و الرشوة ، ضميره مثقوب (يفتقر إلى الضمير المهني ملوحا بعيدا بقسم الطبيب الذي وضع يمناه يوما عليه ) و يد قبضت الرشوة و دلست الأوراق ، فظلمت أنثى و حرمت من الميراث .
=========
القصة الثالثة : ارتجاج ..
=========
ارتجاج ..!
تسربت الصور الى الصحف ووكالات الانباء كان جواز سفر صاحبة الشأن مع عنوانها انها ترتدي جيوبا سحرية داخل المرايا حملت في داخلها صور التاريخ وحكايا الوطن .. زغرد القيد في معصميها عند عبور الخط الاحمر ..
تجمعت غربان الكون تنعق ساترة .. الا ان فضيحة الوطن كانت اوجع من دم سائح ..
#القــراءة :
حين نقرأ العنوان يحيلنا مباشرة إلى سقوط شخص على رأسه فيصاب الرأس بضربة شديدة تؤدي إلى فقدان الوعي (حسب موقع أدلة )
لكن ارتجاج النص لم يكن سقوطا إلى الأسفل :
بطلة القصة من الإعلاميين ، أو ناشطة حقوقية أو تكون من المجتمع المدني ، و قد تكون من مقاومي الشعوب المضطهدة .
قد كشفت عن أسرار مسكوت عنها :
ما هي الجيوب السحرية : الجيب ما توضع فيه النقود و غيرها و أن تكون سحرية بمعنى مخفية استحالة الانتباه إليها
بالرجوع إلى القصة : البطلة سربت أخبارا إلى الإعلام /على الحدود وقع مسكها من طرف “الشرطة” / زغرد القيد في معصميها / بين الخط الأحمر الذي كانت ترغب في اجتيازه (ماديا) و الخط الأحمر الذي اجتازته (بتسريبها للصور) تجمعت عليها غربان الكون : لم يختصر مسكها من طرف شرطة الحدود فحسب بل تكالبت عليها “سلطة كاملة ” للمسك بها و “قمع”الكلمة و مصادرتها ،فالقضية قضية وطن و حصل ما كان يخيفهم : ” التسريبات” ، فالتسربات وثائق مهمة متعلقة بتاريخ و ربما حضارة الوطن وثائق لربما بيعت أو وقع المتاجرة بها لكن : مهما فعلوا بقيدهم و سجنهم لن يقدروا مصادرة الذكريات التي تحملها بذاكرتها .
خلاصة القضية : أوراق مهمة فضحت من سرقها أو تاجر بها كشفتها “مرأة” تجمع عليها “غربان الكون “، حتى لا يصل صوتها الذي يطالب باسترداد الحقوق حق وطن و شعب مما يفسر الدور المؤثر للمرأة في المجتمع ، فهذا الارتجاج كان لسلطة كاملة حين سقطت جرائمها المرتكبة ضد الوطن بين يدي ضمير واع محب لأرضه و تاريخها ،فرغم القبض عليها فقد كان سقوطها إلى الأعلى ،تقول الكاتبة :زغرد القيد في معصميها ،و الزغاريد نسمعها إما في الفرح أو عند تشييع جثمان شهيد ، في الحالتين : فرح القيد : و له الشرف أن يكون بمعصم أمثالها ، و فرح من ألقوا عليها القبض لاسكات صوتها وكانت البطلة و سقوطها إلى القمة بعد أن رجهم تصرفها البطولي .
++ حــزم وقائع القصص و علاقتها بالعنوان الرئيس “دهاليز مظلمة”:
كانت أبطال القصص “مرأة ” ظلمت و اغتصبت حقوقها في القصتين الأولى و الثانية ،فازت ثالثتهما بفضح المستور و كأن الكاتبة انتقمت للأولى و الثانية بالمرأة الثالثة .
العناوين : حركة أولى ،الهدف ،النتيجة : اقتناص/ضمير مثقوب /ارتجاج : القاصة أبدعت في اختيار العناوين و ترتيبها ،فالقنص يحدث “الثقب” فترتج “الضمائر ” ،فكانت الثلاثية في علاقة وطيدة فيما بينها و العنوان الرئيس :جمعهم لاحظنا الظلم الذي اكتسته القصص و كل الأحداث حيكت في الظلام :
القصة الأولى :لوحت بيدها من ثقب الباب / المكان يوحي بسجن و مصادرة الحرية
اختنق الصمت في حنجرتها / فعل من الصمت ،لا إرادي ،صمت غصبا عنها
دفن دون تصريح / متى يدفن الميت دون تصريح ؟ في حالة الموت المستراب كالقتل مثلا ،لكن في قصتنا الدفن كانت اللحظة التي ينتظرها الجميع (اقتناص اللحظة ) للاستيلاء على الميراث و حرمان البطلة من نصيبها .
القصة الثانية : قيدت على سرير مظلم / كما ذكرت أعلاه لفقت لها شهادة بعدم تمتعها بكامل مداركها العقلية و انفصام في شخصيتها
اعتلال بنطق الشهادة / شهادة كانت بواسطة الرشوة من طبيب استغنى عن ضميره المهني و القسم الذي أقسمه عند نيله الشهادة
القصة الثالثة : تجمعت غربان الكون /فضيحة الوطن كانت أوجع من دم ساخن .
++ النتيجة :
جمعت كل الظلم الذي تعانيه المرأة بمجتمعاتنا “العربية “: لا لتطبيق القوانين و لا للشريعة التي تؤكد في باب الميراث : و للذكر مثل حظ الأنثيين ،يقول تعالى : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين :النساء 11 .
و يقول تعالى : …يبين الله لكم أن تضلوا و الله بكل شيء عليم :النساء176 .
غربان القصة الثالثة كانت موجودة بكل القصص :ممن اقتنصوا لحظة الوفاة و من زور و قبض الرشوة و الراشي الذي اعطى المال بيمين أقسمت يوما على ميثاق العمل بالضمير و كتم أسرار المرضى .
الصورالجامعة للقصص و علاقتها بالعنوان الرئيس:
إلهام عيسى رسمت دهاليز ضيقة و عميقة في بعض العقول المريضة التي تبحث عن اقتناص اللحظة بضمائر مثقوبة ترتج لها عقول الانسانية التي تضحي لأجل كلمة حق دون التفكير في العواقب ،دهاليز مجتمعات مخترقة قوانينها حد دفن الميت دون تصريح و زج العقلاء بمشافي المجانين وسرقة التاريخ و تزييفه ،اختارت فيه الكاتبة المرأة بطلة في حالات الظلم و القهر المسلط ضدها واجهته الأخيرة بشجاعة الأبطال .
بقلمي سعيدة بركاتي تونس 🇹🇳
Discussion about this post