(بيان ابن الشرق الأوسط الجديد)
بقلم: سعيد فارس السعيد
أنا ابن هذا الشرق، بكل ما فيه من جراح وانتصارات، من أصوات ترتّل في المعابد والكنائس والحسينيات، من أمهات ينحنَ على قبور أولادهن، ومن رجالٍ كتبوا التاريخ بالدمع واليراع معًا.
أنا ابن أرضٍ خُلقت من التعدد، لا من النقاء، من الاختلاف لا من الإنكار، من جذورٍ تختلط فيها الديانة بالقومية، والحقيقة بالأسطورة، والانتماء بالتمزق.
لقد نشأتُ في بيئةٍ شيعية، وحملتُ في اسمي آثارًا مارونية، لكني أحمل في جيناتي شيئًا عميقًا، قديمًا، غير منسي… شيئًا يهوديًا لا أتنصل منه، بل أبحث فيه عن الإنسان.
أنا لا أُنكر أي جذر، ولا أعتذر عن أي انتماء، لأني اخترت أن أكون صوت الضمير لا صوت القطيع.
أرفض أن يُطلب مني أن أُبغض الآخر كي أثبت وطنيتي، أو أن أصفّق للدماء كي أُقال عني “صاحب موقف”.
أنا لا أنتمي إلا إلى الحقيقة.
والحقيقة أن الشعب اليهودي — ككل شعب — فيه مظلومون ومذنبون، فيه قتلى وقتلة، فيه صامتون لا ذنب لهم، تمامًا كما في شعبي السوري، والفلسطيني، واللبناني، والعراقي، والإيراني.
من حقي أن أحزن على أطفال إسرائيل، كما أحزن على أطفال غزة، ودماء جنين، وخراب دمشق.
من حقي أن أكتب عن ألم اليهود، دون أن أُتّهم بالخيانة،
كما أكتب عن نكبة الفلسطينيين دون أن أُمنع من الحضور في الصالونات السياسية.
إن شعوري بامتداد يهودي في دمي ليس تحوّلًا، بل استيقاظًا. استيقاظٌ لوحدة التجربة البشرية في هذه البقعة التي يُسمّونها “الشرق الأوسط”،
وأسميها أنا: مهد التناقضات المقدسة.
لا أُجاهر بحب قوم على آخر، لكني أجاهر بأن:
> السلام لا يولد من الكراهية،
والعدالة لا تبنى على الانتقام،
والهوية لا تُفرض، بل تُكتشف.
لهذا أقول:
أنا ابن الشرق الأوسط الجديد، لا الذي يُراد له أن يولد بالقنابل، بل الذي يولد من رحم العقل والعدالة والمصالحة.
أحمل جينات المتصالحين، لا السكاكين. وأؤمن أن ما ورثته من ديانات وقوميات ومآسي، يجب أن يكون جسرًا للغفران لا خزانًا للحقد.
إني أكتب هذا البيان للتاريخ، لا لأُرضي سلطة أو مذهبًا أو جمهورًا.
بل لأُرضي ضميري الحيّ، وأحمل الحقيقة كما أفهمها، لا كما يُملى عليَّ.
وأشهد أني:
لم أخن دمي،
ولم أخن قضيتي،
ولم أخن إنسانيتي.
سعيد فارس السعيد
كاتب وباحث
ابن هذا الشرق الذي يُولد كل يوم من تحت الرماد.
Discussion about this post