كتب رياض الفرطوسي
«إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.»
كثيراً ما نتغنّى، نحن أبناء هذا المجتمع، بأننا شعب يفيض بالفضائل. نردد أنّنا شرفاء، نمتلك قلوباً طيبة وعفوية، وعلاقات إنسانية صافية، وأن التسامح والتصالح وحسن الظن هي طبائعنا الأصيلة. حتى خُيّل إلينا أننا بلد منذور للجمال والأخلاق، تسوده الطمأنينة، ويغمره الخير.
نعتقد، أو هكذا نزعم، أن خارطة كل واحد فينا مرسومة بالمثل العليا: تواضع، سماحة، ذوق، نُبل، حفظ كرامة الآخر واحترامه. نقول إننا قد استفدنا من دروس التاريخ وعبره، وإننا لا نعدّ ما يمرّ بنا من أحداث محض حوادث شخصية، بل نراها قصص مفاهيم عقلية وفكرية وثقافية مزرية انتصرنا عليها، وتحررنا من عقدنا المتراكمة عبر التصالح مع جراحنا الداخلية، بلا مواربة ولا تواطؤ.
نزعم أننا وقفنا ضد السافل والمنتهك والمدعي والعميل والفاسد والمحرض، وتضامنا مع الكسير والفقير والمظلوم حتى أنصفناه، لأننا ـ كما نحب تكرار القول ـ مجتمع يؤمن بالعدالة الاجتماعية. ونحلف بأننا قررنا العودة إلى ذواتنا الطبيعية بعد أن ضيّعناها في متاهات الإكراهات السياسية والدينية والاجتماعية، وتحت وطأة الخوف، والتلقين الأعمى، والعنف.
غير أن ثمة سؤالاً يطلّ ساخراً من بين السطور: أهذه حقّاً رؤيتنا الحقيقية، أم أنها محض خيال جميل؟
فإن كانت رؤيتنا غير تخيلية، فلماذا يتظاهر الجميع بهذه الفضائل، حتى لكأنك تظنّ أننا نعيش في مجتمع غير متوازن، طغت فيه الفضائل حتى غطت الشرور؟ ولماذا يبدو كل فرد بريئاً مما يحدث من خسة ودناءة وخديعة وكذب؟
كيف نفسر إذن وجود شلل من الأوغاد والمستفزين والمرضى النفسيين والجلفين والسوقيين، في الدوائر الرسمية والمقاهي ومجاميع الواتساب ومنصات التواصل الاجتماعي؟ وكيف نفسر أن المعتدل والمنصف والإنساني غالباً ما يحاربه الجميع، ويُتهم بأنه خائن أو غريب أو «أفكاره قديمة أو لا تواكب الواقع»؟
لو كنتم بلا خطايا… فليحضّر كلٌّ منكم حجره.
ألم يقل المسيح: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر»؟
نحن بحاجة إلى جرأة الاعتراف بأن في دواخلنا ازدواجية عميقة، وأن بعض الفضائل التي نتغنى بها ليست سوى أوراق تين نخفي بها عوراتنا الأخلاقية، أو أقنعة نتستر بها من مواجهة ذواتنا. فقبل أن نغيّر ما حولنا، علينا أن نغيّر ما بأنفسنا حقّاً… بعيداً عن الادعاء، والتظاهر، والبراءة المفرطة.
فالمجتمع الذي يغلبه التمثيل على الحقيقة، يظل مهيّأً دوماً للانفجار من الداخل، مهما تزخرفت واجهاته بالفضائل.
Discussion about this post