كتب محمد فياض
نعلم أن الأحوال المعيشية في مصر ليست على ما يرام. وأن جهوداً مضنية تُبذَل . وناتج أقل كثيراً يتحقق في المردود المُعَاش اليومي.أكتب هنا وفي ناصيتي الطبقات الإجتماعية التي تحملت وتتحمل وحدها عبء المرحلة بمعطياتها. فاتورة الإصلاح الإقتصادي.وفواتير الإحلال والتجديد في مجالات الحياة في البلاد.في الإعلام وخطابه..الدين وجيوش التأسلم وحتمية صيانة الدولة القطرية بتفعيل آليات مواجهة أمنية ناجزة حتى الآن – وأكررها وأقصدها في مبتغاها -( حتى الآن) .لأننا جميعاً نتفق على أن المواجهة الأمنية وحدها ربما تقدر على الناتج الحركي والسلوكي لتنظيماتهم ..لكنها كافية ربما بتأقيت مرحلة..لاتصلح لكل المراحل..طالما لم نشرع ولم نذهب إلى مواجهة فكرية لتجفيف روافد العنف والحيلولة دون المد البشري لجسد الإرهاب.ومعالجة الفكر بالفكر..وفواتير تدفعها الطبقات المعنية في حقول الثقافة والتعليم والصحة والفنون.
كلها تحتاج إلى مراجعات جادة وحرية فكر تسمح بالإبداع للحصول على منتوجات وخطط تضمن التعافي.
نثق في قدرة القوات المسلحة المصرية على صون حدود البلاد في أمنها المزدوج.. الأمن الوطني والأمن القومي.
ونعرف أن الكثير من المخاطر تتهددنا في خطط الأمريكي الصهيوني.وأن إفرازات هذه الخطط تشرع قوى إقليمية وتسعى لترجمتها فعلاً دبلوماسيا مدفوع الثمن تقبله مصر.. أو عسكرياً تتجيش له قوى وليست قوة واحدة..حزمة من الصعاب وعظيم جلل من المخاطر تحيط بنا وتشكل ضغطاً على صانع القرار الوطني. ولاءات القيادة السياسية ليست بالحبر السري بل تجاوزت الخطاب الدبلوماسي الناعم وتخطت المواءمات والحسابات التي فرضتها كامب ديفيد..حين وصفت القيادة العدو بصفته وباسمه..العدو.
وإن خرج النص عما كانت تعتبره واشنطن من المسلمات.بما يربك كل الحسابات ويعيدها كلها للنقاش.
ومن المعطيات المؤكدة التي لاتقبل النقاش حولها أن الجيش المصري قادرٌ عليها.لكننا نتعرض للسؤال ويجب أن نطرحه لا للبحث عن إجابته ب نعم..ام.ب لا.
لأن الإجابة لدى شعب مصر هي فقط ( نعم) .والسؤال: هل يقف الشعب خلف جيشه.؟ ..وهنا أخاطب السيد الرئيس.
شعبنا لن يقول تحت وطأة الفقر وناتج سياسات الإفقار والتهميش ومالازم ذلك من ظلال على البنيوية الأسرية في حياة الشعب.غير نعم خلف الجيش.
لن يقول رغم كل هذا لجيشه ( إذهب أنت وربك فقاتلا) .
وعندما نختلف مع الرئيس ونقر أننا نختلف معه..هنا نقصد السياسات.
ونعلم ويعلم الرئيس أن السياسات هي العنوان الكلي الذي تفسره أحوال الشعب في طبقاته الدنيا والطبقة المتوسطة محذوفاً منها وبالكاد الشريحة العليا منها.
وعندما نختلف مع هذه السياسات نرى بأم أعيننا ويرى الشعب الصابر المحتسب أن طبقة رجال المال قد توحّشت سلوكياتها بما أجج حزمة من الغضب..وحتى لا يجد تجار الأوطان ضالتهم في هذه السطور.فإن المعني بالغضب هو غضب بموروث المصريين في العَشَم..الآمال والطموحات التي تآكلت وشكّلت خطراً حقيقياً على ماهية الإنتماء في الوازع النظري للخطاب.وتترجمه الطبقة الغاطسة فعلاً في الجريمة الجنائية والسقوط السهل في براثن المخدرات.. وابداعات الشتائم اليومية في محافل الدواوين والشوارع ووسائل المواصلات..وفي ذروة خطاب التنفيس العام يقذف آحادٌ من الناس عنواناً فيه ثمة تهديد أمريكي صهيوني ضد مصر تتجمد بواعث الغضب من النظام والسياسات وتقفذ فجأة الدماء والحمية في العروق..مصر فوق كل شيء. ولن يستطيع الكون كله النيل منا وإن اجتمعوا..هذا الشارع العبقري الذي يعرف العدو والصديق..ويعرف ما يعتقد الحكم وأركانه أنه سراً تم تناوله في الغرف الرسمية المغلقة حال إستقبال الرؤساء والملوك والوزراء في مصر..يعرف هذا الشعب كل أسرار اللعبة ويُكَذّب قادته عندما تكون تصريحاتهم الرسمية معبرة عن متانة العلاقات والتوافق في الملفات..يعرف الشعب الحقيقة المُخَبَأة في الأدراج..كيف ؟
فقط لأنه شعب مصر الذي قضى آلاف السنين يصنع التاريخ.ولكن لسان حاله ربما باستهزاء أحيانا يستمع إلى التصريحات الرسمية ويقول دعهم يكذبون..فلا ضير.فنحن نمتلك كل الحقيقة ونعرفها..وتحكمنا محددات توارثناها منذ أكثر من سبعة آلاف عام.
إنه الشعب..الذي أخاطب الرئيس لأجله.
الكتلة الغاطسة في المجتمع المصري.
ومادفعني لهذه الكتابة هو الإجراء الثاقب الذي اتخذه السيسي بإعادة قانون مصر..قانون الإجراءات الجنائية.
الأخطر في تقديري من الدستور..أعاده الرئيس إلى البرلمان.
ورفض توقيعه وإصداره.. هنا على كل المثقفين المصريين. كل النخبة السياسية الجادة.كل أطر التجربة الحالية التي بدأت بعد يناير 11 أن تغلق على نفسها طواعيةً في حجرةٍ صغيرةٍ أو حتى في فناءات واسعة من فنادق الخمس نجوم لتعيد بجدية طرح السؤال والإجابة عليه.
كل الذين صفقوا للقانون في البرلمان والإعلام والسادة الكتبة.والنُخب الحزبية والسياسية..الذين وجدوا في القانون مايرقى لاعتباره كتابة سماوية وصياغة إلاهية نزل بها الوحي..
وحالما قرر الرئيس رفضه وإعادته إلى السيد المحترم البرلمان.واقصد الأخير في ماهيته..رأى الشعب العظيم نفس الشخوص وذات الأسماء من النخب وأعضاء البرلمان يطلقون تصريحاتهم أن الرئيس تمكن بإعادة القانون ورفض إصداره انتصاراً للمصلحة الوطنية للدولة القطرية المصرية..!!
وهنا ياسيادة الرئيس..نرى أن هؤلاء المنافقون لايصلحون لاعتلاء المشهد وهم أخطر على البنية المجتمعية من جيوش المتأسلمين..لا نصل برأينا ورؤيتنا إلى مرحلة أن ندعوكم سيادة الرئيس بتأميم قنواتهم وغلق برامجهم وكسر أقلامهم.. وتجريدهم من شرف عضوية برلمانية لا هم كانوا أمناء على المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب وبنود العقد بينهم وبين ناخبيهم بممارسة حق التشريع والرقابة لأجلهم..ولا هم كانوا بتمييز ذهني متقد ووعوا دروس المسؤولية وهنا قد يكون السبب هو عدم الإلمام لعدم القراءة لانعدام الوعي..ولا هم في التحليل الأخطر جاؤا باختيار الناخب…ونسأل الرئيس: هل هذا منطق..؟!
وما أراه هنا هو مطالبة الرئيس بتقديمهم للمحاكمة على جريمة احتقار الشعب وعدم احترام تفكيره وذكاءه. وإلا بماذا يمكننا تسمية الهتاف مع والهتاف ضد..النفاق مع..والنفاق مع أيضاً..في الأولى اعتقاد المنافق أنه نفاقه سيعجب الرئيس..وعندما انحاز الرئيس لمصر وأعاد القانون دون إصداره..خرجوا ودون أدنى خجل لتأييد الرئيس مع وصلات من النفاق المغاير في الإتجاه المعاكس..
وقد انفضّت لتوّها حالة الشيوخ.وتابعها كل الشعب وكتب على جدران ذاكرته أنها محض تهريج سياسي..وحالة لَي ذراع الوطن ورقبته جهة ثلة من المنتسبين لمصر. ربما يرى القاريء أن في هذه الكتابة ثمة تجاوز..لكنني واثقٌ من أن تجربة الإنتخابات للشيوخ لم يتم لَي ذراع ورقبة الوطن فحسب..بل إلتفاف على فقه الرئيس ورؤيته لإنتاج غرفة برلمانية تتحمل مسؤولية جادة ومؤهلة لذلك.ومن خلال صندوق الشعب المصري.
ففي وقتٍ مضى..وبناءً على فتوى من فقه الرئيس..وقبل انتخابات البرلمان وحالما كانت مصر تذهب إلى صياغة فلسفة قانون الإنتخابات وصياغاته..كنتُ أنا كاتب هذه السطور.ممثلاً رفقة زميل ـ عضوي المكتب السياسي لحزب التجمع – نشارك في نقاشات اللجنة التي تألفت من عشرة أحزاب..موكولٌ إلينا التجرد والتدقيق بفرضية الإلمام نؤسس لفلسفة قانون سوف تصدره الدولة لإجراء الإنتخابات البرلمانية وفق فلسفته ونصوصه..في الواقع وبعد نقاشات جادة شاركت فيها واستمرت لعدة أشهر. ناظَرْنا كل تجارب العالم وتجاربنا في مصر لنصل عبر توافق وطني عام ومُجَرّد ومسؤول إلى نظام إنتخابي نقدمه للدولة كمنتوج لهذا النقاش ومستخلص من ورشة العمل الوطني هذه..التي كان لي شرف الإسهام فيها.
ثم فوجئت كما غيري بقانون ونظام إنتخابي مغاير..هو السائد الآن..لم أنزعج. وراهنت على أن يتدخل الرئيس لتصويب فلسفة القانون هذه المشوبة – في تقديري السياسي – بعوار مجمل التجربة المصرية..حتى وإن لم يتدخل الرئيس فإن رهاننا قائم متواتر ومستمر كقضية نضالية نقدم فيها الدراسات الموضوعية واستنتاجات مسالب القانون ونظل في خندق مصر نطالب الرئيس بأنه قد آن أوان خروج الفتوى الغائبة لتعديل فلسفة النص. ونحن مقدمون على استحقاق الغرفة الأهم..مجلس النواب. ونعرف ومن منطلق حرصنا الوطني ووعينا السياسي أنه ليس أوانه الآن..الآن الحتمي.
لكننا لانقبل أن ينهي برلمان 25 دور انعقاده ولم يصدر عنه تشريعاً حقيقياً للإنتخابات بفلسفة القائمة النسبية..ونحن مع أن يبدأ إستعادة العنوان إلى الطاولة لإعادة النقاش.
ونحذر رغم سوءات النص من استدعاء مناخ إنتخابات 2010 . وماراكمته تجربة الإرتكان الأخيرة على رأس المال وتسعير سلطة التشريع.ننبه ونحذر.
والشعب في ظل كل الظروف المعلومة الآن للجميع يحتاج إلى طمأنة وأمل..ينتظرهما في فتوى تصدر عن الرئيس.
[ د. محمد فياض. القاهرة]
Discussion about this post