تمهيد:
في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية المستمرة، يبرز سؤال مهم: ما دور رجال الدين في تشكيل ملامح المجتمع، وهل يبقى الدين أداة روحية أم يتحوّل أداة للهيمنة؟
دور رجل الدين في تكريس التبعية: قراءة في البنية الاجتماعية – السياسية
منذ قرون، شكّل رجل الدين في المجتمعات العربية والإسلامية مرجعية دينية وروحية، إلا أن تحولات التاريخ السياسي والاجتماعي جعلت بعض رجال الدين يتجاوزون هذا الدور ليصبحوا فاعلين رئيسيين في السياسة والاقتصاد، خصوصًا في أزمنة الاضطراب والحروب. وفي الحالة السورية، برز هذا الدور بشكل أوضح ضمن البيئة الشيعية في ظل الحرب والتهجير، حيث احتكر رجال الدين ملفات المجتمع، وحافظوا على نفوذهم عبر إدارة المساعدات، والتحكم بالعلاقات، وإقصاء الأصوات الفكرية المستقلة.
أولاً: السياق التاريخي لدور رجل الدين
عبر التاريخ، كان لرجل الدين حضور مزدوج: إيجابي حين كان يحمي المجتمع ويدافع عن الفقراء، وسلبي حين تحوّل إلى أداة بيد السلطة أو استثمر الدين لتعزيز نفوذه.
في مراحل الضعف السياسي، كان يملأ الفراغ ويستأثر بالقرار، كما شهدنا في العصور المملوكية والعثمانية، حيث ارتبطت السلطة الدينية بالسياسة في شكل من أشكال التبعية المتبادلة.
ثانيًا:
الحالة السورية – الشيعية نموذجًا
خلال سنوات الحرب والنزوح، تحوّل رجل الدين الشيعي إلى القائد الفعلي للمجتمع المحلي.
حيث امتلك السيطرة على الموارد المالية عبر التحكم بالمساعدات والصدقات، مما جعله المرجعية الأولى في حياة الناس اليومية.
هذه السيطرة ترافقت مع إبعاد متعمّد لرجال الفكر والسياسة والمثقفين المستقلين، خشية تقليص نفوذه أو كشف استغلاله.
من مصلحة رجل الدين – في هذه البيئة – استمرار حالة الحرب أو النزوح، لأنها تبرّر وجوده في موقع القائد والوسيط والراعي.
ثالثًا:
الآثار الاجتماعية والسياسية
1. تعطيل المجتمع المدني:
تراجع دور المؤسسات المدنية
2. إدامة التبعية:
بقاء الناس في حالة اعتماد على المساعدات الدينية بدل تمكينهم اقتصاديًا.
3. تهميش النخب:
خروج المثقفين والمفكرين من المشهد، ما يعمّق الأزمة الفكرية والسياسية.
رابعًا:
نحو بديل إصلاحي.
ضرورة إعادة تعريف دور رجل الدين في المجال العام، بحيث يقتصر على الإرشاد الروحي والأخلاقي دون احتكار الشأن السياسي أو الاقتصادي.
تعزيز دور الدولة المدنية التي تحكم بالقانون وتوزّع الحقوق بعدالة بعيدًا عن المرجعيات الطائفية.
تمكين المجتمع المدني والنخب الفكرية ليعودوا شركاء في بناء العقد الاجتماعي الجديد.
إعادة النظر في إدارة المساعدات، بحيث تنتقل من يد الأفراد والمرجعيات إلى مؤسسات وطنية شفافة.
الخاتمة
إن استمرار دور رجل الدين بوصفه “الزعيم الشامل” يعمّق التبعية ويمنع تشكّل دولة مدنية عادلة.
والمطلوب اليوم هو إعادة التوازن بين الدين والمجتمع والدولة، بحيث يُصان الدين كقيمة روحية، وتُبنى الدولة على أساس العدالة والمواطنة. بذلك وحده يمكن لسورية – وسائر مجتمعات الشرق – أن تنتقل من منطق التبعية إلى منطق الحرية والمسؤولية المشتركة.
سعيد فارس سعيد
كاتب وباحث استراتيجي سوري مستقل
“صوت من أجل شرق يولد من تحت الرماد، لا من تحت الركام.”
Discussion about this post