الأفعال الكلامية في قصيدة “حد اليقين” للشاعرة إلهام عيسى (مقاربة تداولية)
بقلم: د. طارق لعرابي
إن هذه الورقة البحثية الموجزة تقوم على دراسة الأفعال الكلامية في قصيدة “حد اليقين” للشاعرة العربية السورية “إلهام عيسى” لاعتبارات جمة أهمها أن القصيدة تضم تنويعات متعددة من الأفعال الكلامية، ولما تنماز به من من حركية خطابية، لذا سنفتح نافذة لسانية وفسحة تفاعلية لدراسة الفعل الكلامي بنوعيه المباشر وغير المباشر.
يقول فرانسوازأرمينكو:” وتأتي أهمية التداولية في كونها تهتم بمختلف الأسئلة الهامة والإشكالات الجوهرية في النص الأدبي المعاصر، لأنها تحاول الإحاطة بعديد من الأسئلة، من قبيل: من يتكلم؟ وإلى من يتكلم؟ ماذا نقول بالضبط حبن نتكلم؟ ما مصدر التشويش والإيضاح؟ كبف نتكلم بشيء ونريد قول شيء آخر”
وتعيننا التداولية في حذف الفكرة التي يريدها الشاعر حتى لو غشيتها ستائر كثيفة، لأن القارىء العارف يمارس مهارة التأويل في النصوص الشعرية غير المباشرة معتمدا على فهمه وإدراكه، وموظفا أدوات اللغة في مراميها ومقاصدها، مبتعدا عن محيطها الخارجي، متفاعلا مع بنيتها الداخلية، متمعنا في العناصر التي تكونها.
أما “الغعل الكلامي” فيعرفه “مسعود صحراوي” بأنه: ” كل ملفوظ يتهض على نظام شكلي دلالي إنجازي تأثيري، وفضلا عن ذلك، يعد نشاطا ماديا نحويا يتوسل أفعالا قولية لتحقيق أغراض إنجازية كالأمر والوعد…والوعيد..، وغايات تأثيرية تخص ردود أفعال المتلقي كالرفض والقبول، ومن ثم، فهو فعل يطمح إلى أن يكون فعلا تأثيريا في المخاطب اجتماعيا أو مؤسساتيا”
لقد تنوعت الأفعال الكلامية في قصيدة “حد اليقين” على النحو التالي:
1ـ الإخباريات: ورد هذا النوع من الأفعال الكلامية في لقصيدة إذ اعتمدت الشاعرة للتعبير عن الحقيقة، أو التعبير بها، وهي في أغلبها مسلمات وحقائق يؤمن بها الطرفان صاحب الإرسالية ومتلقيها، كالحقائق المتعلقة بالله والإيمان، وهي بذلك تخبر بالحقيقة الخطابية التواصلية، وتنجز أفعال التلفظ جميعها، ومن أمثلة ذلك:
الشمس تفتح ذراعيها بخجل
لم أعهدها من قبل بهذا الوجل
وحتى لا توقظهم
تخفض جناح الذل
فسكرة الموت جاثمة حد اليقين
ينهض هذا الملفوظ على ما يسميه “جون بول” بـ ” جمل الحقيقة” إذ تقوم الشاعرة بإخبار متلقي النص بحقيقة لا مناص منها، مفادها أن الموت حتمية تطال كل نفس على هذه الأرض.
ويبدو أن هذه المسلمة “الموت وسكرتها” هي الحافز المحوري الذي أنتجت بموجبه القصيدة، فالمعاينة الفاحصة لهذا الخطاب الشعري تحيل مباشرة إلى مخاطبة الروح، فهو خطاب وجداني عاطفي. ويمكن القول إنما هو قوة إنجازية حرفية في هذا الفعل وهو “الإخبار” وبذلك يصدق على هذا الملفوظ معيار” الصدق” فضلا عن إخبار المالقي بفكرة الموت والانفصال عن الحياة في لحظة ما، وذلك بثيت أن فكرة الملفوظ تطابق الواقع ذهنيا، وهو ما يؤمن به المرسل ومالقي الرسالة معا، فهي قوة إنجازية حرفية، والكلمات تدل على ما وضعت له في أصل اللغة بطريقة تقريرية مباشرة.
2ـ التوجيهات أو الأمريات: عرضت الشاعرة مجموعة من المحتويات القضوية التي فرشت السبيل لعرض المحتوى السابق، وهي على التوالي (تأخر الصباح، تهجس بخوف، حرائق تلتهم، ردم في الخسوف) وقد تضمنت هذه الأفعال قوة إنجازية، وترتيبها المنطقي يحقق بعدا تداوليا يتمثل في صدق الأفعال القولية للشاعرة.
أما التوجيه بفعل الأمر، فقد اقترن أولا بالنداء الذي برز كفعل إنجازي كما في المثال:
من وراء بحار الآلام
مناد ينادب، ادخلوها بسلام
فدلالات النداء لا تفهم إلا بمعونة المقام، ودلالة القرائن الأسلوبية
وجاء الأمر في:
ادخلوها بسلام
واسرجوا لياليكم لشعاع النور
من المعلوم أن فعل الأمر في الأصل يأتي لطلب الفعل على سبيل الإيجاب، ويخرج إلى معان تداولية أخرى على سبيل المجاز نفهم من السياق، وفي هذا المقام لم يعد فعل الأمر على ما يعنيه الأمر، بل عدل إلى معنى إنجازي تداولي يفهم من سياق النص ذاته، وأصبح يدل على غير ما وضع له، فالشاعرة تعرض حكما توجيهيا يتمثل في توجيه المتلقي إلى التعلق بالأمل ودرأ اليأس والابتعاد عنه، وقد نزعت الشاعرة إلى تنويع الأفعال التوجيهية فأضفت بذلك على القصيدة التفاتا موسيقيا أثرت به الموقف، وأبانت عن صدق الفعل الكلامي ومطابقته للواقع.
3ـ الالتزاميات: أكد اللسانيون أن المتكلم لن يتمكن من التأثير في المتلقي دون أن ينشىء التزاما إنجازيا، فالشاعرة كعادتها في توضيح قضيتها الرئيسة والسعي بها للوصول إلى إقناع المتلقي فقد دعت إلى ما تلتزم به وتمثل في ملازمة الدعاء والابتهال لله والخضوع له، وهو بذلك منجز قولي مكثف ينم عن درجة الإيمان بقدرة الله على حماية عبده وتغيير واقعه المؤلم، فلا ملجأ منه إلا إليه.
كما ضمنت الشاعرة القصيدة الفعل (أوت)
حيث أوت إلى جذع نخلة
هذا المحتوى القضوي سناسب سياق المقام للمحتوى السابق(الابتهال والدعاء)
4ـ التعبيريات: تكمن وظيفة هذه الأفعال في التعبير عن الموقف النفسي تعبيرا يتوفر فيه الإخلاص.
علرت الشاعرةفي القصيدة عن حالتها النفسية، وعن هواجسها، وآلامها بأفعال إنجازية تعبيرية كثيرة منها (نأخر الصباح، تعبر فوق الحواجز بهجس وخوف، أينما تحل بقايا أطفال….) في مشهد درامي تصويري ماتع مستخدمة الأفعال (تلتهم، أسرجوا، أوت، ابتهلت….) لترسم طريقا معبدا يفصل بين الألم والأمل، والخوف والأمان، والموت والحياة.
الإعلانيات: تجلت أفعال الغعلانيات التي حققت دلالات غير مباشرة في القصبدة، ومن أمثلتها:
اللهم آمين
الشمس تفتح ذراعيها بخجل
لم أعهدها من قبل بهذا الوجل
وحتى لا توقظهم
عن الأفعال (تفتح، أعهد، توقط، تخفض) قوة إنجازية يقتضيها ظاهر الأسلوب إذ تدل على أن اللجوء إلى الله منجاة، فيسخر لك الأسباب ومخلوقاته الكونية ليدفك عنك الظلام واليأس ويوقظ فيك الطمأنية، ةيشرح صدرك للحياة.
في الختام، استطاعت الشاعرة “إلهام عيسى” في قصيدته ” حد اليقين” أن توظف الأفعال الكلامية المباشرة وغير المباشرة مما ساهم في تنوع التأثيرات الخطابية، وحققت عامل الص
Discussion about this post