سمير باكير يكتب-
أصبح مؤتمر السلام حول غزة في شرم الشيخ بمصر، الذي عقد بهدف تعزيز وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس ومناقشة ملف إعادة إعمار قطاع غزة، رمزا للتوترات الاستراتيجية والمنافسات الجدية بين الفاعلين الرئيسيين في المنطقة، وذلك بعد غياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الإمارات محمد بن زايد. هذا الغياب، الذي اقتصر على استبدالهما بوزراء من حكوماتهما، يعكس رسالة واضحة بعدم الرضا تجاه دور مصر المحوري في وساطة وسير عمليات اتخاذ القرار المتعلقة بملف غزة.
في إطار التحليل السياسي لهذا الحدث، لا بد من الإشارة إلى المنافسات السياسية والاقتصادية والإيديولوجية بين ثلاث قوى إقليمية رئيسية: مصر، السعودية، والإمارات. فقد احتلت مصر موقع الصدارة كدولة مضيفة وفاعلة رئيسية في الوساطة بين إسرائيل وحماس، وحظيت بتغطية إعلامية واسعة. مع ذلك، أعربت السعودية والإمارات عن استيائهما من عدم مشاركتهما الفعالة في صنع القرار المرتبط بإعادة إعمار غزة وقضية فلسطين، إذ تطالبان بحصة أكبر في هذا المسار، خاصة وأن لهما نفوذ سياسي كبير في واشنطن واستثمارات مالية مهمة في إعادة إعمار غزة.
كما أثار أداء مصر في إدارة معبر رفح والقيود المفروضة على الدعم الداخلي للفلسطينيين تساؤلات حول حيادية القاهرة ومواقفها في أزمة غزة، وهو أمر يكتسب أهمية خاصة في ظل حساسية الرأي العام العربي الذي لطالما دعم القضية الفلسطينية.
أما على الصعيد الإيديولوجي، فالتباينات واضحة؛ إذ تنظر السعودية والإمارات بقلق بالغ إلى نشاط الجماعات الإسلامية مثل حماس، معتبرتين إياها تهديداً لاستقرار النظام السياسي الداخلي فيهما. ويعكس رفضهما لاستمرار وجود حماس بعد وقف إطلاق النار ونظرتهما إليها كعامل زعزعة للأمن الإقليمي الفجوة العميقة في المواقف الإيديولوجية.
تجسد هذه الخلافات، إلى جانب التحديات التي تواجه التعاون الإقليمي، انهيار الوحدة التقليدية للعالم العربي حول القضية الفلسطينية. وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر وحاجتها المتزايدة للدعم المالي، قد يشير غياب قادة الخليج في مؤتمر شرم الشيخ إلى احتمال تراجع الدعم المالي والسياسي منهما، وهو ما قد يحمل تبعات هامة على المعادلات الإقليمية.
في المجمل، يقدم هذا الحدث صورة واضحة للوضع الراهن في العالم العربي، حيث تتقاطع المصالح المتضادة بين الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الغرب وإسرائيل من جهة، والضغوط المتصاعدة من الرأي العام الداعم للفلسطينيين من جهة أخرى، مما يصعب أي جهود للتقارب الإقليمي. وتمثل الكراسي الفارغة لقادة الخليج في شرم الشيخ رمزاً للتنافس، وانعدام الثقة، والانقسام الذي قد يضعف دور العالم العربي في قضية فلسطين وأمن المنطقة.
Discussion about this post