بقلم / عامر جاسم العيداني
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية يحتدم الجدل بين من يرى في المقاطعة وسيلة للاحتجاج على الواقع السياسي المتردي وبين من يدعو إلى المشاركة باعتبارها الطريق الوحيد للإصلاح من الداخل. وبين هذين الخيارين يقف المواطن العراقي في حيرة: هل يقاطع ليعبّر عن رفضه للفساد وسوء الإدارة؟ أم يشارك ليغيّر هذا الواقع عبر صناديق الاقتراع؟
يرى أنصار المقاطعة أن العملية السياسية باتت محكومة بسلطات المال والنفوذ والسلاح وأن الانتخابات تُدار غالبًا بوسائل غير نزيهة من شراء الأصوات إلى التلاعب بالنتائج لذلك فإن الامتناع عن المشاركة بنظرهم هو موقف احتجاجي واضح ضد هذا الواقع الفاسد ورسالة للمجتمع الدولي بأن الشعب غير راضٍ عن الطبقة الحاكمة.
لكن في المقابل أثبتت التجارب السابقة أن المقاطعة لا تُضعف الفاسدين بل تقوّيهم فغياب أصوات الغالبية الصامتة يفسح المجال أمام المستفيدين من النظام السياسي الحالي للعودة مجددًا إلى البرلمان وهكذا تتحول المقاطعة من وسيلة للاعتراض إلى هدية مجانية للمنظومة التي يُراد تغييرها .
إن المشاركة في الانتخابات لا تعني دعم الفساد بل هي فرصة لاستعادة القرار الوطني بيد المواطن فالتغيير لا يأتي بالشعارات بل بالأفعال وصندوق الاقتراع هو الوسيلة الدستورية الوحيدة التي تتيح للشعب معاقبة الفاسدين عبر التصويت ضدهم واختيار الكفاءات والنزيهين.
المطلوب اليوم ليس مجرد المشاركة العددية بل المشاركة الواعية والمدروسة وأن يختار الناخب من يملك رؤية واقعية وبرنامجًا واضحًا لخدمة المواطن لا من يرفع الشعارات الطائفية أو يستغل الفقر والبطالة لكسب الأصوات فكل ورقة انتخابية توضع بضمير حيّ هي رصاصة في صدر الفساد وسهم في جسد الديمقراطية الحقيقية .
الديمقراطية في جوهرها تقوم على المشاركة والمحاسبة وإذا غاب المواطن عن صناديق الاقتراع فسوف تفرغ الديمقراطية من مضمونها وتتحول إلى واجهة شكلية ، ان المشاركة هي مسؤولية وطنية قبل أن تكون حقًا انتخابيًا وهي رسالة إلى كل من يتاجر بمستقبل العراق بأن الشعب ما زال حيًا وواعياً لمصالحه.
أما من ينتظر أن يُصلح الآخرون الوضع نيابةً عنه فسيبقى يدور في حلقة اليأس لأن السكوت والمقاطعة يصنعان طغاة جددًا بينما المشاركة الواعية تصنع قيادات جديدة ونظامًا سياسيًا أكثر نضجًا.
إن الخيار الأمثل لبناء ديمقراطية حقيقية والقضاء على الفساد هو المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات
فالمقاطعة قد تُرضي الغضب لكنها لا تغيّر الواقع ، أما المشاركة فهي الطريق الطويل لكنها الأضمن نحو عراقٍ تُحترم فيه الإرادة الشعبية ويُحاسب فيه المقصّر والفاسد عبر صناديق الاقتراع لا عبر الصراخ واليأس.
أيها المواطن الكريم قد آن الأوان أن نخرج من دائرة الغضب الصامت إلى فعلٍ واعٍ يعبّر عن إرادتنا الحقيقية ولا تترك الفاسدين يقرّرون مصير أولادك ومستقبل وطنك ولا تمنحهم فرصةً جديدة لحكمك بصمتك أو يأسك فصوتك هو قوتك وورقتك الانتخابية هي سلاحك النظيف في معركة الإصلاح.
اذهب إلى صناديق الاقتراع وقل كلمتك بجرأة واختر من يستحق ثقتك لا من يشتريك بالشعارات والوعود الكاذبة.
لنجعل من هذه الانتخابات يومًا وطنيًا لإحياء الأمل وبناء الدولة العادلة التي نحلم بها جميعًا.
فالعراق لا يُبنى بالحياد بل بمشاركة الشرفاء الذين يؤمنون أن الوطن أغلى من كل مصلحة.
Discussion about this post