لماذا يبدو التغيير صعباً؟
ربّما خطر هذا السؤال في بال كثيرين، وربّما لا يزال البعض يبحث عن إجابةٍ تشفي حيرته.
كلّنا شعرنا يوماً أن التغيير طريقٌ شاق، وأن الوصول إلى نسخةٍ أفضل من أنفسنا يحتاج إلى عملٍ وتصميمٍ واستمرارية.
وهذا صحيح، لأن التغيير لا يحدث على مستوى الفكر فقط…
👈 فالتغيير الحقيقي يبدأ من العمق: من الخلايا، والأعصاب، والذاكرة، والعاطفة.
كلّ مرةٍ تقول فيها “أريد أن أتغيّر”، فأنت لا تغيّر عادةً فحسب،
بل تغيّر طريقة بقائك التي اعتاد دماغك أن يعيش بها لسنواتٍ طويلة.
إنّ الجهاز العصبيّ للإنسان يتعامل مع كلّ جديدٍ بوصفه “خطراً”،
حتى لو كان هذا الجديد هو التحرّر من وجعٍ أو نمطٍ من تدمير الذات.
لأنّ المألوف، ولو كان مؤلماً، يبدو آمناً.
والمجهول، ولو كان مريحاً، يُخيف.
وهنا يفشل أكثر الناس؛
لأنهم يحاولون تغيير أفكارهم فقط،
وينسون أن الفكر سطح،
وأن العمق الحقيقي يسكن الجسد،
ذلك الجسد الذي ما زال يحمل ذاكرة الألم.
كلّ تجربة خوفٍ أو خيبةٍ أو صدمةٍ مررت بها،
لم تترك أثرها في وعيك فقط،
بل في خلاياك، وطريقة تنفّسك، ووضعية جسدك، ونبض قلبك.
وحين تقول “أريد أن أتغيّر”،
فأنت فعليّاً تطلب من جهازك العصبيّ أن يعيش حالةً جديدة لا يعرفها بعد،
فتبدأ المقاومة — لا لأنك ضعيف،
بل لأن عقلك الباطن يقاوم المجهول ليبقيك في منطقة الراحة،
تلك المنطقة التي يراها أماناً حتى لو كانت مؤلمة.
لهذا، لا يمكن للتغيير أن يحدث ما لم يشعر الجسد أولاً بالأمان.
فالدماغ يختار الأمان قبل السعادة،
وحين يجهل شكل المجهول، يخاف منه.
لهذا، النية وحدها لا تكفي للتغيير.
النية تفتح الباب،
لكن الذي يجعلك تعبره هو قدرتك على العيش مع الألم بوعي، دون هروبٍ أو إنكار.
كلّ مرةٍ تختار فيها أن تحتوي وجعك بدلاً من أن تهرب منه،
فأنت تعيد برمجة جهازك العصبيّ من العمق.
كلّ دمعة وعي، كلّ تنهيدة صدق،
هي خليةٌ تتنفّس من جديد.
ولكي يحدث التغيير بانسيابيةٍ وهدوء،
علينا أن نهيّئ الجسد ليشعر بالأمان، وذلك عبر:
-
لا تحارب خوفك:
الخوف ليس عدوّك، بل لغة جسدك.
كلّ مرةٍ تشعر فيها بالخوف، فهو يسألك فقط: هل المجهول آمن؟
قل له بهدوء: أنا أسمعك، وأنا هنا.
بهذه الكلمات البسيطة تبدأ رحلة الطمأنينة. -
عُد إلى جسدك:
الوعي لا يكتمل من دون تنفّس.
كلّ شهيقٍ عميق، وكلّ زفيرٍ بطيء،
رسالة طمأنينةٍ لدماغك تقول: لا خطر هنا.
حينها يصبح مستعداً ليتعلّم عادةً جديدة أو فكرةً مختلفة. -
خطوات صغيرة بدل القفزات:
التغيير الحقيقيّ لا يحبّ الدراما ولا الأضواء،
بل يحبّ الاستمرارية الهادئة.
غيّر بنسبة 1٪ كلّ يوم،
وسترى كيف تزهر هذه النسبة الصغيرة في داخلك. -
الأمان قبل الإنجاز:
قبل أن تسأل: ماذا أفعل؟
اسأل: ما الذي يجعلني أشعر بالأمان؟
فالجسد لا يتعلّم تحت الخطر،
بل يتطوّر حين يشعر بالطمأنينة. -
غيّر نفسك لأنك تحبّها، لا لأنك ترفضها:
الرفض يخلق مقاومة،
أمّا القبول فيُولّد التحوّل.
قل لنفسك: أنا أتغيّر لأني أستحقّ حياةً أوسع وأجمل.
عندها يتحوّل الوجع إلى طاقة خلقٍ وازدهار.
💚 أحباب الروح:
التغيير ليس سباقاً لتصبح شخصاً جديداً،
بل هو رحلةٌ تتعلّم فيها أن تحتوي نفسك القديمة بالمحبّة،
وتسمح لنورك أن يطلّ من بين شقوق الألم.
كلّ مرةٍ تختار فيها الوعي بدل الهروب،
وكلّ مرةٍ تتنفّس رغم الخوف،
أنت تولد من جديد، لا كنسخةٍ مختلفة،
بل كنسخةٍ أصدق، وألطف، وأكثر حضوراً.
🌿 دمتم بكلّ حبٍّ ووعي. 🌿
Discussion about this post