سمير السعد
ما يجري في السودان ليس حرباً طائفية، ولا صراعاً دينياً ، ولا مواجهةً مذهبية كما يحاول البعض أن يلبسه زوراً لتبرير الجرائم. إنّها حربٌ وحشية عارية من كل قيمةٍ إنسانية، تُرفع فيها شعارات الله، وتُداس فيها حرمة الإنسان. فبين تكبيرٍ زائفٍ وصدى رصاصٍ أعمى، تُزهق الأرواح لا دفاعاً عن العقيدة، بل عن الذهب والسلطة التي تحمي الذهب.
إنّها مأساة وطنٍ كان يمكن أن يكون جسراً بين أفريقيا والعالم العربي، فتحوّل إلى ساحةٍ لتقاطع المصالح، وتنازع القوى، وسباقٍ على النفوذ والثروات. تُدار الحرب هناك بدمٍ باردٍ وأيدٍ مأجورةٍ، ويُقدّم المواطن الفقير قرباناً لصراع الكبار. ليس في المشهد نُبلٌ ولا بطولة، بل شهوة سلطةٍ لا تشبع، وجوع ذهبٍ لا يرتوي.
ورغم أن البعض يصفها بـ “الاقتتال الأهلي”، إلا أن الحقيقة أوسع من ذلك وأعمق. فالذي يُدار في السودان هو قتلٌ منظم وممنهج، تُستخدم فيه كل أدوات الخراب من القصف إلى التهجير والتجويع، في تكرارٍ مأساويٍّ لمشهدٍ نعرفه جميعاً ، مشهد غزة.
فكما تُقصف غزة يومياً وتُقتل فيها الطفولة بلا ذنب، يُقتل السودان بصمتٍ أشدّ. وكما وقف العالم يتفرّج على غزة وهي تحترق، يقف اليوم الموقف ذاته أمام الخرطوم ودارفور، بذات البرود والخذلان. الوجوه نفسها تصمت، والبيانات ذاتها تُعاد، بينما يموت الناس تحت الركام هنا وهناك.
غزة والسودان وجهان لوجعٍ واحد.
في الأولى يُقتل الإنسان باسم “الأمن”، وفي الثانية يُقتل باسم “الذهب”، وفي كلتيهما يُرفع اسم الله فوق الدماء لتبرير المذابح. وما أشدّ قسوة أن يتحوّل الدين إلى لافتةٍ تغطي بها المصالح رائحة الجريمة.
أين المجتمع العربي والإسلامي من هذا الخراب؟
أين صوت الحق الذي يعلو للإنسان لا للسياسة؟
كيف تسقط مدنٌ عربيةٌ كاملة في النسيان، ويُشرّد الملايين دون أن تتحرك أمة كانت يوماً تقول: “إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى”؟
السودان اليوم ليس سوى غزة أخرى تُذبح بصمتٍ عربيٍّ ودوليٍّ.
دماءٌ تُراق، وأطفالٌ يهربون من موتٍ إلى موت، والعالم يكتفي بالمشاهدة.
ما أشبه الأمس باليوم… وما أشبه الخرطوم بغزة حين يصمت الضمير ويغيب العدل.
سيكتب التاريخ يوماً أن العرب رأوا السودان يُحترق كما رأوا غزة تُباد، ولم يتحرّك فيهم سوى البيانات.
كأنّ الذهب أثمن من الإنسان، وكأنّ الدم أرخص من الحجر.
سيبقى السؤال الموجع يتردّد:
كم غزةً نحتاج بعد… كي يصحو الضمير الإنساني؟
 
			 
                                 
    	
















Discussion about this post