قراءة نقدية: “الثلاثية الققجية و أسطورية المكان”
التفريغ النصي: “التحدي والوعد والوعيد”
الثلاثية الققجية :”ذهول أساطيري”
الكاتبة :د. الهام عيسى(سوريا)
الناقدة :جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية: “الثلاثية الققجية وأسطورية المكان”
المقدمة:
لقد دأبت الكاتبة إلهام عيسى على كتابة الثلاثية الققجية .
وها هي اليوم تطالعنا بثلا ثية ققجية ” ذهول أساطيري”.
فما رمزية الرقم(3) الذي اقترن بالأدب؟
“يتواجد الرقم( 3) بشكل متكرر في الأدب والأساطير حيث يستخدم للتعبير عن المفاهيم الأساسية مثل البداية , الوسط ,النهاية..
في الشعر والروايات تشكل الصيغ المؤلفة من ثلاثة عناصر شكلا جذابا يسهم في عمق النص وجاذبيته” .
وفي هذا الإطار فإن الكاتبة وَازنتْ بين الشكل الجذاب وعمق النص.
إن هذه الموازنة بين الشكل والمضمون تقتضي سمات محددة في قراءة هذه الثلاثية.
القراءة النقدية: “الثلاثية الققجية وأسطورية المكان”
أ – في قراءة العنوان”ذهول أساطيري”
لقد ورد العنوان مركبا نعتيا وكل من النعت والمنعوت موسوم بغير المألوف:
فالذهول عنوان الدهشة غير المألوفة و الاساطيري هو عنوان لكل ما هو خيالي.
وفي هذا الاطار أين تتجلى الدهشة والخيال في الثلاثية الققجية “ذهول أساطيري”؟
ب- التحليل: “الثلاثية الققجية وأسطورية المكان”
ان الكاتبة إلهام عيسى اختارت الثلاثية في الق.ق.ج إيمانا منها بأن الق.ق.ج الواحدة قد لا تفي بالرسالة التي تريد تبليغها علما وأن الق.ق.ج مطبوعة بالايجاز لذلك عمدت الى الثلاثية الققجية حتى يكتمل الحكي والقص.
وبالتالي فالكاتبة من هذه الناحية تقرّ بجدلية بين الشكل والمضمون. .
ان الثلاثية الققجية تقتضي سمات تتميّز بها وهي سمات على ضوئها يتم التناغم والاتساق بين القصص .ق.ج الثلاث للثلاثية :
1 – سمات وأهداف الثلاثية ” ذهول أساطيري”:
لو تأمّلنا بأهمّ سمات هذه الظاهرة الأدبية الثلاثية نلاحظ أنها تهدف بالأساس الى:
أ- تصوير الواقع.. أي ملمح يميل الى الجانب التصويري؟.
ب – التميّز بالدّائرية (عودة الأبطال بالظهور في معظم المراحل الثلاث).
ج – حصول نفع القراءة من أي مرحلة تبدأ .. مع خيط رفيع رابط بينها.
لعلّ هذا ما جعلنا نعتبر الكاتبة الهام عيسى تنخرط في ظاهرة الثلاثية لتحقّق الملامح الثلاثة السالفة وتحقق الحكائية والقصصية بها.
2- تجليات السمات الثلاث بثلاثية الكاتبة الهام عيسى ” ذهول أساطيري”:
أ- تصوير الواقع.. أي ملمح يميل الى الجانب التصويري؟
+ الققجية الاولى:
ترسم الكاتبة مشهدا أليما بين الجوع والشهادة فالمائدة التي هي رمز الطعام والشبع تتحول الى مائدة جوع والطوفان الذي هو طوفان ماء يتحول الى طوفان دم.
وباستخدام اسلوب المفارقة المبكية بين المائدة والجوع وبين الطوفان والدم تجسد الكاتبة للقارئ هذا الذهول الاساطيري بسبب ما ينتاب ضحايا الجوع(بطون خاوية) والشهادة (تقهقه الاشلاء.)
ان الوجع وجعان والشهادة شهادتان :
– الشهادة جوعا(مائدة الجوع/ بطون خاوية).
– الشهادة قتلا (طوفان دم).
وكأني بالكاتبة تلمح الى طوفان الأقصى الذي كان طوفانا من البشر للمقاومة فيتحوّل الى طوفان من دم لكثرة الموتى والجرحى.
+الققجية الثانية:
تواصل الكاتبة باستخدام المفارقة وباستخدام جناس جزئي بين الأكمام والركام فالاكمام التي هي رمز الورود والانتعاش والحياة تتحول الى أكمام الركام.
والأكمام في النباتات والزراعة هي الاوعية التي تغلف الزهر والثمر كما يقول تعالى في سورة الرحمان الآية (11) “والنخل ذات الأكمام” وتعني النخل التي يكون ثمره في غلاف أو وعاء يحميه.
وبالتالي هل يصبح لركام الدمار الشامل من حجر وشجر وبشر غطاء يحميه وقد تعني به الأكفان التي تلفّ الموتى ان كان هذا الركام منالشهداء.
وباستخدام ضمير المتكلم المفرد (جلستُ/ جمعتُ/ قطعتُ) تتقمص الكاتبة دور الراوية العليمة بكل الاحداث لتجسّد هذا الذهول الخيالي الذي يطول ابداعها الذي تاه وضاع ازاء الدمار الشامل الذي محا جغرافية المكان(قطعت تذكرة دون اختيار المحطة فخارطة التيه تمتد من الثبور الى الويل).
و”الويل والثبور” حسب المختصين في اللغة هما ” الهلاك والهلاك الشديد والخسران.
وهي كلمات تستخدم للدلالة على الشقاء والحزن الشديدين.
تستخدم الكلمتان عادة معا للتأكيد على شدة المصيبة مثل قول “يا ويل الثبور”
للدلالة على أقصى درجات التحسر والهلاك”
وبالتالي فالكاتبة باعتبارها راوية عليمة وشاهد عيان تنقل للقارئ مشهدا واقعيا أليما و مأزوما ..انه مشهد الدمار الشامل الذي لم يبق ولم يذر بشرا وحجرا وشجرا واصبحت التضاريس واحدة وخارطة الطريق مفقودة والقيد مكبل .
كأني بالكاتبة تردد قول الشابي :
ولا بد لليل ان ينجلي // ولا بد للقيد ان ينكسر (فكّ القيد).
+ الققجية الثالثة:
وتختم الكاتبة ثلاثيتها بتسليط الضوء على اختلاف الشهداء(اطفالا ونساء ورجالا) لتجعلهم على لوحة الشتات .
ولوحة الشتات هو مصطلح يطلق على اللوحات المرورية ولها دلالات وفق الالوان وانواع وسائل النقل.
وبالتالي لعل الكاتبة قد استدعت هذه اللوحة للدلالة على عدد الشهداء والجرحى على اختلافهم بين أطفال ونساء ورجال(شبابا/كهولا وشيوخا)
وتستدعي الكاتبة رمزية المكان (غصن الزيتون وبيارات الليمون)ليكون المكان برمزيته مرسوما على لوحة الشتات.
لعلها بذلك ترمز الى قدسية المكان وخلوده رغم ما لحقه من دمار شامل (كان المكان موغلا بالصمت..كانت عيناه مثقلتين غيوم الكآبة)
وتختم الكاتبة ثلاثيتها بقفلة مدهشة كسرت أفق انتظارالقارئ وانتهكت أطماع العدو.
وباستخدام تقنية ثنائية التشخيص والتجسيد جعلت للمكان الذي لحقه الدمار يدا ترسم بابا ومفتاحا: وكأني بالكاتبة شخصت المكان لأنسنته باضفاء صفات التحدي والوعيد والوعد عليه:
-التحدي: المكان يتحدى هذا الدمار الشامل الذي لم يبق ولم يذرْ(بشر/ شجرا/حجرا) ..المكان انسان يرفض الهزيمة والاستسلام.
– الوعيد: المكان يتوعد ويهدد العدو بالعودة ورفض الهزيمة.
– الوعد: المكان بقدسيته يعد الشهداء الذين دفعوا حياتهم في سبيله ان يعود والمفتاح بيده ليفتح باب العودة تماما كطائر الفينيق الذي يعود من رماده الى الحياة من جديد.
وكأني بالمكان باعتباره انسانا يردد قول الشابي:”حذار فتحت الرماد اللهيب..”
انه الذهول الأساطيري الذي قد يصيب العدو من أسطورية المكان .
ب – التميّز بالدّائرية (عودة الأبطال بالظهور في معظم المراحل الثلاث).
لقد لعبت الكاتبة على المكان وجعلت منه شخصية رئيسية لتسلط عليه الضوء في كل ثلاثية:
– لقد كان المكان في البداية مائدة جوع موسوما بالبطون الخاوية والاشلاء المتطايرة وطوفان الدم.
– لقد جسدت الكاتبة المكان المأزوم ب” فوق أكمام ركام جلست”/ جمعت شتات التفاصيل/قطعت تذكرة دون اختيارالمحطة فخارطة التيه تمتد من الثبور الى الويل” (الوسط).
– لقد جعلت الكاتبة من لوح الشتات (النهاية) رسْما به مفتاح وباب تحديا للدمار ووعيدا يهدّد العدو بالهزيمة ووعدا للشهداء بالعودة للحياة من جديد لهذا المكان.
انها دائرية المكان التي تجسد أسطوريته…
ج – حصول نفع القراءة من أي مرحلة تبدأ .. مع خيط رفيع رابط بينها.
ان هذه الثلاثية الققجية تتسم بخيط رابط بينها يضمن حصول نفع القراءة من أي مرحلة تبدأ .
انه المكان الذي يطفو على كل ققجية ويمثل خيطا رفيعا بين مراحل الثلاثية:
+البداية: ان هذا المكان الذي يعاني الجوع وبالتالي الشهادة قد فعل فيه الدمار الشامل فعلته الشنعاء لتنعدم فيه جغرافية المكان ويتحول الى خارطة تيه وضياع وغربة .(الوسط)
ان هذا المكان الصامت وفي صمته تفكير يتحدى ويتوعد ويعِدُ (النهاية).
+الوسط: ان هذا الدمار الشامل كان نتيجة لسياسة تجويع وموت بالجملة (البداية)
وهذا الدمار الشامل للمكان جعلت الكاتبة من خلاله المكان انسانا بكل معانيه فيفكر صامتا في هيبة و يتحدّى ويتوعّدُ ويعِدُ (النهاية).
+النهاية: ان هذا المكان “الانسان” الذي يفكر و يتحدّى ويتوعد ويعِدُ هو المكان الذي انتُهِكت انسانيته وكُسِرتْ خارطة طريقه وانعدمت جغرافيته(الوسط) وهذا المكان الذي سُحقت تضاريسه وأصبح “خلاء وحشة ” قد فقد كل ملامح الانسانية بسبب التجويع والقتل بدون رحمة ولا شفقة(البداية).
وخلاصة القول فان الكاتبة الهام عيسى قد لعبت على أحد مقومات السرد وهو المكان الذي يعيش معاناة ومأساة وجود مستخدمة في ذلك أسلوب المفارقة وتقينة ثنائية التشخيص والتجسيد ..انه المكان المفكر صامتا في مصيره و المتحدي والمتوعّد والواعد والذي سينهض من رماده تماما كطائر الفينيق. ..
انها أسطورية المكان التي تحوّل ذهول القارئ الأساطيري لما أصاب المكان من دمار شامل لتجعل العدو يُصاب بذهول أساطيري من هذا المكان المتحدي والمتوعد والواعد …
ان الكاتبة تحوّل بذلك الضغوطات الى موارد لتجعل المكان أسطورة واعدا بالحياة بعد الدمار الشامل الذي لحقه.
سلم قلم الكاتبة الهام عيسى الذي بث في المكان الأسطورة روح الانسان المتحدي والمتوعّد والواعد بحياة جديدة.
بتاريخ 02/11/ 2025
ذهول اساطيري
بقلم الهام عيسى
على مائدة الجوع هللوا للنصر..الجلاد سمح بمرور الطعام لبطون خاوية..
تقهق الأشلاء ويعلو الطوفان دما حدّ الاختناق..فك القيد.
======/////
فوق اكمام الركام جلست … عبرت الغمام سالت من مسامات الازمنة زكوم مثخنات الحكايا.. تئن الحروف .. يمتص السكون في لحظة ذهولا على يقين اللحظات .. جمعت شتات التفاصيل قطعت تذكرة دون اختيار المحطة فخارطة التيه تمتد من الثبور الى الويل ..
======/////
على لوح الشتات رسم غصن الزيتون وبيارت الليمون…كان المكان موغلا بالصمت..كانت عيناه مثقلتين غيوم الكآبة
أخذ لهاثه الساخن يتطاير من فمه…رسم بابا ومفتاحا ولف جسده بأمنيات العودة.


















Discussion about this post