جمالية التراكم الصوتي الكمي في قصيدة ” مخاض جديد”
للشاعرة إلهام عيسى
بقلم: د: طارق لعرابي
الجزائر
يبرز التراكم الصوتي في النص الأدبي حين يتردد عنصر صوتي معين صامت أو صائت أو مقطع ترددا ملفتا، فهو يتضمن معنى الكثافة والتواتر، ولعل التراكم الصوتي الكمي يتقاطع حتما مع التكرار لأنه يتحقق بتكرير صوت أو مجموعة أصوات صامتة أو صائتة في سياق معين، فهو بذلك هيمنة أصوات محددة على التشكيل الصوتي للنص، وقد يحدث هذا التراكم أيضا على مستوى التشكيل المقطعي، وذلك بتراكم مقطع معين وهيمنته على البناء المقطعي للنص.
تتجاوز مهمة الصوت في النص الذي بين أيدينا “مخاض جديد” للشاعرة العربية السورية إلهام عيسى من مجرد نقل المعنى إلى التأثير في الدلالة والتلقي، فتجيل مباشرة إلى العلاقة بين الأصوات والمعاني التي تحملها الألفاظ، وقد التفتت الشاعرة إلى ظاهرة التراكم الصوتي وما لها من أثر على المعنى والإيقاع بتكثيف تواتر بعض الوحدات الصوتية التي تزيد من قوة التعبير وتحقق الجانب الانفعالي والتفاعلي لدى المتلقي.
لقد تمكنت الشاعرة من توظيف أصوات مختلفة وتكرارها عن قصد ووعي ما يظهر مهاراتها في استخدام الأدوات التبليغية وتنويعها داخل المشهد التعبيري في القصيدة، فوظفت مثلا صوت (الراء) في الكلمات ” فجرا، زغرودة، تمر، تعرف، أوتار، قيتارتي، راقصتك، تعزف، تنشر، عبير، الفرح، بغرد، عصفور، الروح، الورود، شرفة، تنشر، عبير، زخات، المطر، أزهار، ربيع، …) هذا التواتر المهيمن أسهم في زيادة الإيقاع وتقوية المعنى، فضلا عن مساهمته في حسن أداء المعنى وربط الأداء اللساني بالمضمون الشعري، فتجلت بوضوح مشاعر العطاء والنقاء، والبهجة التي عاشها فؤادها حين راقصته في الحشا أضلاعها.
كما إن تكرار الصوت في المد (ا) داخل الأبيات يبعث على الإحساس بمدى تألم الشاعرة نتيجة الفراق، وذلك لما يحدثه (المد) من صوت يشبه الأنين، مما أدى إلى تعميق الإحساس بالمعنى (تلال، إيقاع، أوتار، الحشا، أضلاعي، عيناي، أشواق….)
إن لهذا التواتر الصوتي حضور موسيقي لطيف، وقيمة دلالية، وطاقة تعبيرية للنص الشعري.
وتحضر أيضا في القصيدة مهارة ربط سياقات النص بدلالاته، من خلال التكثيف من استخدام صوت “الحاء” (الصباح، كأن، الحشا، الحب، حروفي، الفرح، الروح، ألحان، سحابة، الحياة…) هذا الصوت الذي تشعر معه النفس المتلقية بالعذوبة والانشراح لوجوده في ألفاظ تخبر دلالاتها عن كل شيء إيجابي، ويبعث على التفاؤل، وهذا ناتج عن التأثير الصوتي والنغمي، فيعبر عن تراكم انفعالات الشاعرة وتدفقها الوجداني، وهمساتها الدافئة المؤثرة تنبىء عن امتلاء ذاتها بأحاسيس الوجد والشوق.
وقد تكررت أصوات أخرى في ثنايا القصيدة كالسين والقاق والنون زالواو…. وكلها أصوات تبوح بمواطن النفس وما تحمله من حرقة ولوعة مشكلة خطوطا صوتية متجانسة تكون المحور الأساس للبناء الصوتي في القصيدة، معبرة عن أجواء النص الدلالية التي ترتكز على مفردات غارقة في مشاعر الشوق (همس، راقصتك، الحنين، روحك….) محيلة إلى فكرة استعادة الذكرى، فتردد ذلك التوتر الداخلي الذي نسجته الشاعرة في إيقاع موسيقي هادئ مفعم بالرقة والشاعرية.
ختاما، إن القصيدة التي بين أيدينا لا تفيها سطور معدودة لكشف مضمرات ودلالات التواتر الصوتي للحروف وتكرارها في ثناياها، فالشاعرة ملهمة حاذقة لصنعته، تحسن مهارة التواصل الفني، وتهتم بجمالية العلاقة الذهنية بين نصها الشعري ومتلقي جروفها الذي يجد نفسه يبصر صورها التعبيرية ويتفاعل معها نبضا وقراءة وتأويلا.
			
                                
    	

















Discussion about this post