قراءة في نص ” جدائل الخيال ” و البحث عن النور بين ضوء ضرير و ليل الصابرين ، للإعلامية و الشاعرة الدكتورة إلهام عيسى /سوريا
بقلم الأستاذة الناقدة سعيدة بركاتي /تونس
القراءة:
انطلاقا من عتبة النص “جدائل الخيال ” يتنبأ القارئ أنه سيكون مع نص ميزته الجمال لجمال الجديلة حين تكون شِعرا نابعا من روح و وجدان الشاعر عموما.
*الجدائل هي جمع جديلة و هي ضفيرة من الشَعر و يتم التجديل بتقاطع العناصر فوق بعضها بحركة متعرجة منتظمة . و التضفير فعل روحي ، حيث تمثل الخصلات الثلاث : الجسد و العقل و الروح .
*الخيال : هو ما ينسجه العقل بعيدا عن الواقع ، و أجمل ما قيل عنه قد يجعلك تبتسم من أعماق قلبك ، قيل أيضا : و لنا في الخيال حياة أخرى .
فهل سنجد مع جدائل النص حياة أخرى تأخذنا إليها الشاعرة إلهام عيسى و كيف للخيال أن يكون في شكل جدائل ؟
انطلاقا من تحديدها للمكان : ” على ثغر بابك ” تنطلق في تجديل نصها الذي كانت توحي عتبته على جمال المشهد العام أين ستدور فيه الأحداث ،فعملية التجديل تضفي رونقا لأي شيء قابل تطويعه أن يكون ضفيرة. في وقفة صغيرة عند قصائد الشاعرة يتعدد ذكر الفجر و يأتي مقترنا بالصباح ، ربما لتعيش معه ولادة جديدة ، فذاتها ترنو إلى النور و تكره أن تكون في العتمة : يقول بول لورانس دنبار عن الفجر : “ملاكا يرتدي ثوبا أبيضا نقيا ،انحنى و قبل الليل النائم ،استيقظ الليل ليحمر خجلا ، لقد اختفى العفريت ،رأى الرجال الاحمرار و أطلقوا عليه اسم الفجر” . لكن فجر النص للأسف كان ضريرا ، رغم جمال عتبته فالمشهد عَكْس الواقع : سيكتسي العتمة و يولد ضريرا : بمعنى “أعمى ” كيف وهو الشعاع الأول للنور و الخطوة الأولى نحو الحياة ؟!.
تقول الشاعرة: على ثغر بابك أقطف الفجر حنينا /هذا الوقوف عند العتبة الأولى /صورته الشاعرة كحديقة حنين ليس لفجر واحد /فهي ستكون باقة من الحنين (فعل القطف)/كأن الشاعرة بعيدة و في اشتياق “كثير” لأشياء تحن إليها مع الفجر . فالباب في هذا النص هو الأمل لو يُفتح ستتحقق أمانيها ” اللقاء مع من تشتاقهم” /(بداية فتح الجديلة الأولى للخيال ).فهل هذا الباب مع هذا التوقيت هو أول اللقاء مع الذكرى ؟ و هل هو دعاء على أعتاب الاله لو تتحقق الأمنيات ؟ فالفجر على “ثغر بابك” ، و هو توقيت مهم لاستجابة الدعاء ،فالثغر هو المَعْني بالكلام و التعبير على أي حالة يمر بها المرء.
تقول : بعد أن استيقظ الضوء ضريرا : و الشيء إذ أصبح “أعمى لن يهتدي إلى الطريق إلا بمساعدة الغير “، و لم تذكر الشاعرة في النص ” غيرها” . تقول: ينفخ رغم أنف الضباب أنينا ” : صورة تحدي لولادة النور من رحم العتمة : هذا النفخ ليس بمعناه المادي بل هو حركة دفع و مقاومة معنوية ” داخلية” مع ” الأنين” مما يعمق المعاناة و الإنهاك و لكن التحدي قويا ،فالنور لا بد له من الظهور و لو من وراء الضباب : فالشاعرة جعلت من النور يصرخ في وجه الظلمة /عملية النفخ / الأنين : حالة متعبة ،رغم أنف الضباب /الغلبة للنور . فولادة النور عسيرة .
أجراس سماوات الاله شاهدت /في خشيع ساجدات تردد التبجيل
في علاقة بالاله :فليس لغيره يُرفع الدعاء ، و بين الداعي و الاله لا يوجد حجاب ، فالدعاء يصعد مباشرة : هذه الأجراس كأنها الملائكة و ما يكتبون في الصحف قد تكون الأجراس صوت الأقلام وقد كانت شاهدة بالعين المجردة و كذلك بالسمع لمن سجدن يرددن التبجيل : و الدعاء يقرب المرء من الله فهو القائل سبحانه و تعالى :أدعوني أستجب لكم ،و العبد أقرب إلى ربه وهو ساجد و السجود أعلى مراتب العبادة : تردد التبجيل / هذا الترديد هو الالحاح في طلب الدعاء من طرف الساجدات . قد يتساءل المتلقي عن تخصيص السجود و الدعاء جنس المرأة دون الذكر ،كان للشاعرة الجمع بينهما و تقول : “الساجدون”، لكن مع الساجدات قد يكون “العدد المكثف في السجود من طرفها” فالفعل الوارد بعد الساجدات هو للمفرد مع ضمير الغائب المؤنث “هي” في زمن الحاضر و يفيد الاستمرارية إذ تقول :أتدثر بالصمت على مقعد متحجر / أمشط جدائل الخيال مسترسلا / على رصيف ذاكرتي قنديلا :كل الأفعال الواردة بالمقطع هي مع ضمير المتكلم “أنا” زمنها الحاضر ، و ذاكرت “ي” تعود إلى المتكلم ” الشاعرة” . الحالة الرئيسة : تدثرت بالصمت على مقعد متحجر : السكون مع الصبر : صمت على مقعد متحجر ، و تبدأ في تمشيط جدائل الخيال : عملية فتح الجدائل و ليس تجديلها : تنشيط المخيلة / يتغير المكان من “ثغرها “إلى رصيف الذاكرة :لحظات تأمل في “خصلات الذاكرة ” و السباحة بالمخيلة بعيدا … أنارت القنديل الذي انطفأ فتيله زمن الحاضر .
فالمقطع يصور لنا الشاعرة و هي في جلسة تأمل في صمت رجعت بمخيلتها إلى الماضي الذي كان على شكل جدائل “العلاقة بعتبة النص”. على هذا المقعد المتحجر الذي يشير إلى آنها العسير و القاسي مما يؤكد جمال الماضي و قبح الحاضر .
تختم الشاعرة النص بترجي :”لعل الشمس تعيد بهجتها / و يمر ليل الصابرين قصيدة :
لعل : حرف مشبه بالفعل بمعنى الترجي أو الاشفاق /فهي تترجى الشمس لو تعود بنورها فتدخل البهجة على حاضرها و تنقشع عتمة “الليل” التي أضناها الصبر و الترقب و هي على مقعد متحجر تنتظر الخلاص و الفرح … فلن يبق غير الكلام يذكر و يصبح من زمن الماضي و لن يبق إلا مجرد ذكريات تقال و لا تعاد .
بالعودة إلى النص بعد القراءة التحليلية نلاحظ أن نصوص الشاعرة لم تخلو من التناص القرآني كما ورد في هذا النص على سبيل الذكر لا الحصر :
سماوات الاله : اشارة إلى السماوات السبع :
يقول تعالى :الله الذي خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن (الطلاق 12) / الذي خلق سبع سماوات طباقا (الملك 3)
في خشيع ساجدات :اشارة إلى الخشوع في الصلاة و خاصة في السجود حين يكون العبد قريبا داعيا ربه :
يقول تعالى :قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون (المؤمنون 1 /2 ) /و يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد ، فاكثروا الدعاء .
أتدثر بالصمت / يقول تعالى في سورة المدثرالآية 1 : يا أيها المدثر
و من الآيات الربانية : كالسماء و الشمس و الليل .
فيتضح أن الشاعرة فتحت “جدائل الماضي” و أطلقتها مع خيالها ليسافر إلى مدن الحنين و الضوء عسى ينير و لو للحظات حاضرها ، فحين ختمت النص بالترجي : لعل الشمس تعيد بهجتها ، فهي ليست بحاجة للنور فقط بل و للدفء العاطفي أيضا ، فالجلوس على مقعد متحجر يوحي بهذا البرود المادي و المعنوي ، الشاعرة في قصائدها كانت و لا تزال صديقة النور كما أشرت أعلاه : الفجر /الصباح /الشمس /القنديل … و معه و لو كانت ولادته عسيرة (ينفخ أنينا رغم الضباب) . النص حمل الكثير من المعاناة و الشوق و كثيرا من الصبر الممزوج بجمال الجدائل المسترسلة ،فكم هو غزير هذا الماضي بالذكريات و الحنين . صعب جدا أن يتخلص المرء من ماضيه … في لحظة شرود يمر بنا “جميعا” هذا الشريط و نعود إلى هناك … لعبت الشاعرة مع اللغة فأضفت على النص طابعا غنائيا ثم مع جمالية الصورة رغم قتامة المشاهد ، فولد النور من العتمة إلى أن عاش المتلقي كل مشاهد النص مع جدائل خياله فكان متوهجا مع ترجي الشاعرة للشمس التي ستكون قنديل الحاضر كما كانت للماضي …
النص :
جدائل الخيال
على ثغر بابك أقطف الفجر حنينا
يستيقظ الضوء ضريرا
ينفخ رغم أنف الضباب أنينا
أجراس سماوات الإله شاهدت
في خشيع ساجدات تردد التبجيلا
أتدثر ىالصمت على مقعد متحجر
أغزل من أفق السماء قنديلا
أمشط جدائل الخيال مسترسلا
على رصيف ذاكرتي قنديلا
لعل الشمس تعيد بهجتها
ويمر ليل الصابرين قصيدا
إلهام عيسى
المراجع
https://odelebeauty-com.translate.goog/blogs/the-rinse/history-of-hair-braiding?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=rq
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D9%84
https://mawdoo3.com/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AA_%D8%B9%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%84
https://poets-org.translate.goog/poem/dawn-7?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=rq
https://binbaz.org.sa/audios/2750/450-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%82%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D8%B1%D8%A8%D9%87-%D9%88%D9%87%D9%88-%D8%B3%D8%A7%D8%AC%D8%AF-%D9%81%D8%A7%D9%83%D8%AB%D8%B1%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A1
			
                                
    	

















Discussion about this post