العقل:
الخوف لا يفارقني أيتها الروح.
يتسلّل حتى إلى لحظات الهدوء.
أخاف أن أفقد، أخاف أن أبدأ، أخاف أن أُحب
وأخاف أن أفرح كثيراً فيغادرني الفرح.
وكأنني أعيش في حذرٍ دائم
وكأن الحياة فخّ متنكر بلطف.
الروح:
الخوف ليس عدوّك يا عقل، بل هو حارس البوابة.
وظيفته أن يحميك، لكن مشكلته أنه نسي أنك كبرت.
ما زال يراك طفلاً هشّاً، فيُغلق الأبواب باسم الأمان.
لكن الحقيقة أن الخوف لم يأتِ ليمنعك من الحياة، بل ليذكّرك بحدودٍ نسيتها.
كل مرة تخاف فيها، اسأله:
مِمَّ تحاول أن تحميني؟
وغالباً سيجيبك بصوت الماضي:
من الألم الذي مررنا به.
العقل:
هل تقصدين أن الخوف ليس ضعفاً؟
الروح:
أبداً.
الخوف هو وجه الحذر حين تكون الروح غافية.
لكن حين تصحو، يتحوّل الخوف إلى بوصلة،
يشير إلى الأماكن التي تحتاج إلى نورك.
لا تخشَ خوفك، اقترب منه
واسمع رسالته.
فكل شعورٍ بالخوف يخفي وراءه رغبة لم تُعَش بعد.
العقل:
لكن، كيف أميّز بين خوفٍ حقيقي يجب أن أصغي إليه،
وخوفٍ وهمي يُعطّل تطوري؟
الروح:
اسأل جسدك.
الخوف الحقيقي قصير وواضح..
نغزة خفيفة، دفقة أدرينالين، ثم هدوء.
أما الخوف الوهمي فهو ضباب طويل..
يكرر السيناريو نفسه في رأسك بلا توقف.
الأول يحذّرك لتنجو،
والثاني يقيدك لتتجنّب.
الأول ابن الحكمة..
والثاني ابن الماضي.
العقل:
هناك مواقف كثيرة شعرتُ فيها أن الخوف يسحبني إلى الأسفل.
مثلاً حين تأتيني فرصة، أول ما يخطر في بالي:
وماذا لو فشلت؟ ماذا لو خيّبت الأمل؟
كأن صوتاً داخلياً يهمس:
ابقَ في مكانك.. أكثر أماناً.
الروح:
نعم.. هذا صوت الذاكرة.
هو ليس ضدّك، لكنه لا يعرف المستقبل.
حين تخاطر، يخاف لأنه فقد السيطرة.
لكن الخطر الحقيقي ليس في المحاولة، بل في الجمود.
من لا يخوض التجربة
يبقى يراقب الحياة من خلف الزجاج.
والحياة لا تُعاش من بعيد..
تحتاج قلباً يقبل أن يتّسخ..
ويتطهّر بالوجع نفسه.
العقل:
أحياناً أشعر أن الخوف علّمني الدقّة، علّمني الترتيب، علّمني الانتباه..
لكن بنفس الوقت، جعلني أعيش كل شيء بحدود، بعيون تراقب أكثر مما تحب.
جعلني منسّقاً لدرجة تكبّل.
منظّماً على حساب العفوية.
مضبوطاً على حساب التدفّق..
وإن تركتُ للروح القيادة، ربما أفقد توازني.
الروح:
وربما تربح نفسك.
العقل يصنع الجدران
والروح تفتح النوافذ.
من دون الجدران لا بيت،
ومن دون النوافذ لا حياة.
التوازن أن تعرف متى تُصغي لكلٍّ منهما.
في لحظات القرار، استشر عقلك..
لكن قبل التنفيذ.. اسأل روحك إن كانت حاضرة أم مختبئة.
العقل (بصوت خافت):
وإن فشلت؟
الروح (بابتسامة حزينة):
تتعلّم.
وإن تعبت.. تتوقف.
وإن خفت.. تعود لتسمع.
الفشل ليس نهاية، بل تصحيح اتجاه.
والوجع جزء من التدرّب على الحضور.
الخوف لا يُهزَم.. بل يُفهَم.
وحين تفهمه، يصبح دليلك بدل أن يكون سجّانك.
العقل:
يعني ليس مطلوب مني قتل الخوف، بل التصالح معه؟
الروح:
تماماً.
الخوف صديق خجول..
كلما اقتربتَ منه ظهر وجهه الحقيقي:
وجه الحماية، وجه الحب.
إنه يقول لك:
رجاءً.. لا تُعدني إلى حيث تألمت.
فقل له:
اطمئن.. هذه المرّة أنا واعٍ.
العقل (بصوت مطمئن):
ربما لأول مرة أشعر أن الخوف ليس علامة ضعف،
بل علامة حياة.
الروح:
هو كذلك.
ما دمت تخاف، فهذا يعني أنك تحب.
تحب ألا تفقد، ألا تُؤذى، ألا ينطفئ حلمك.
لكن الحب الحقيقي لا يحتمي من الحياة..
بل يعبرها كلها.
العقل:
ومتى تعرف الروح أنها عبرت الخوف؟
الروح:
حين تتوقف عن مقاومته.
حين تقول له:
خذ بيدي.. ورافقني.
حينها يصبح الخوف جناحاً… لا قيداً.
العقل (يهمس):
ربما الخوف لم يكن يوقفني..
كان فقط ينتظر أن أراه.
الروح (بهدوء):
تماماً.
لا تخشَ ظلك.. ففيه يبدأ النور.
دمتم بوعي


















Discussion about this post