بقلم: سعيد فارس السعيد
كاتب وباحث استراتيجي مستقل
متخصص في قضايا الأمن الاجتماعي والوطني
مقدمة لابد منها:
تمرّ سورية اليوم في لحظة مفصلية يُعاد فيها رسم شكل الدولة والمجتمع.
وبينما تنتشر موجات الإقصاء والتحريض والشتائم ضد أي مبادرة وطنية تصدر عن الأقليات أو عن النخب المؤمنة بالعهد الجديد، يظهر الخطر الحقيقي الذي يهدّد وحدة المجتمع: ثقافة كراهية داخلية تُفتّت النسيج الوطني وتمنع ولادة سورية جديدة تقوم على العدالة والمواطنة.
أولًا:
بدايات تحرير حلب – الحلقة الأولى لردع العدوان (٢٨ / ١١ / ٢٠٢٤)
في يوم الجمعة ٢٨ / ١١ / ٢٠٢٤ بدأت عملية تحرير حلب، بمسؤولية وطنية واضحة أعلن فيها الثوار:
> “كل من يترك موقعه أو يخلع لباسه العسكري أو يسلّم سلاحه فهو آمن.”
وفي ذات اليوم، نفّذت العصائب الحمراء — عشرون مقاتلًا — اختراقًا نوعيًا لخطوط النظام، وتمكّن أحد الفرق من الدخول إلى غرفة العمليات وتصفية القادة والضباط، ومن بينهم مستشار عسكري إيراني، ما أدى إلى انهيار كامل في منظومة القيادة والسيطرة.
وفي اللحظة الحاسمة صرخ قائد العمليات:
> “فتح بلا انتقام.”
وكان لهذا القرار أثرٌ وطنيّ كبير قلّل الخسائر ومنع أي رد فعل انتقامي.
ثانيًا:
توثيق هام جدا في بدايات تحرير حلب
نزوح نبل والزهراء…
بين التضليل وقرار الحسم
مع بداية عمليات التحرير، ضخت وسائل إعلام النظام الساقط موجات من الأكاذيب والروايات المرعبة عن الفوضى والقتل والنهب، ما أثار الخوف بين آلاف المدنيين، خاصة أبناء نبل والزهراء.
صدّق الناس — تحت وطأة الخوف — تلك الروايات، فخرجت عائلات كاملة في رحلة نزوح قاسية مشيًا على الأقدام باتجاه:
السفيرة
ثم حماة
ثم حمص
وصولًا إلى دمشق
كانت مشاهد الأمهات والأطفال والشيوخ والعجائز وذوي الاحتياجات الخاصة وهم يسيرون عشرات الكيلومترات واحدة من أكثر اللحظات ألمًا…
ذعرٌ لم يكن له أي أساس من الحقيقة سوى ما بثّه الإعلام الكاذب وهروب الاصدقاء والحلفاء للنظام الفاسد .
___وجاء قرار غيّر المشهد،
ما إن علم قائد العمليات العسكرية بحركة النزوح، حتى أصدر توجيهاته الفورية بـ:
_إيقاف النزوح فورًا
_إرجاع الأهالي إلى بيوتهم في نبل والزهراء
_تأمين الطرقات حتى وصولهم سالمين
_الحفاظ التام على ممتلكاتهم ومنع أي أحد من دخول منازلهم أو العبث بها
وعندما عاد الناس إلى ديارهم، بعد عدة ايام ، وجدوا بيوتهم كما تركوها تمامًا.
حينها فقط أدركوا حجم التضليل الذي مورس بحقهم، وأن الهدف كان بثّ الذعر وشقّ الصف الوطني.
_واقعة تكشف طبيعة المعركة
هذه الحادثة ليست تفصيلًا عابرًا، بل كشفٌ أخلاقي لحقيقة ما جرى:
_قوة عسكرية ثورية شرعية تصرفت بمسؤولية كاملة
_إعلام مضلل هدف إلى تدمير _الثقة بين المدنيين ومشروع الدولة الجديدة
مجتمع يبحث عن الحقيقة وسط أكوام الأكاذيب
إنها واقعة ستبقى شاهدًا على أن الحرب الحقيقية لم تكن فقط على الأرض، بل على وعي الناس.
ثالثًا:
الدور الوطني للسوريين الشيعة
كان السوريون الشيعة جزءًا من نسيج الدولة، وكانوا — عمليًا — أول من التزم بخيار:
_ترك المواقع
_تجنّب المواجهة
_تسهيل عملية التحرير
ولولا ذلك القرار المسؤول، لما تحررت المدينة بهذه السلاسة وبهذه الكلفة الإنسانية الضئيلة.
كما خرجت حشود نبل والزهراء والسيدة زينب دعماً للعهد الجديد، مثبتين أن المكوّن الشيعي مكوّن وطني أصيل لا يمكن القفز فوق دوره أو تشويه صورته.
رابعًا:
الفضاء الرقمي يكشف الهشاشة
للاسف فإن أي منشور وطني يصدر عن مفكر أو إعلامي سوري شيعي يتحول إلى:
_تخوين
_تحريض
_سب وشتم
_اتهامات بالولاء لغير الوطن
وهذا يعني أننا أمام ثقافة إقصاء منظمة تقوّض كل محاولة لبناء مجتمع جديد.
خامسًا:
رسالة واضحة للعهد الجديد
النخب الاجتماعية والفكرية للمكوّن الشيعي الذين لمسوا وشاهدوا وسمعوا كيف تعاملت قيادة العهد الجديد مع اهاليهم في نبل والزهراء فإنهم يعملون يوميًا — بصمت ومسؤولية — على:
_منع أي قوة خارجية من خطفهم
_منع تحويلهم إلى بيئة صراع
_تثبيت خيار الدولة والقانون
هذا دور وطني كبير يجب الاعتراف به ودعمه، لأن استهداف أي مكوّن هو استهداف لسورية كلها.
سادسًا:
منابر تصنع الكراهية
بعض المنابر الدينية أو المحلية — في كل المكوّنات — ما تزال تبث خطاب:
> “الآخر عدو.”
وهو أخطر خطاب يهدد سورية اليوم، لأنه يدمّر الثقة بين الناس ويفجّر المجتمع من الداخل.
سابعًا:
وحدة سورية لا تُبنى بالتحريض
الوحدة تُبنى عبر:
احترام كل مكوّن
حماية العيش المشترك
رفض التحريض الطائف
ترسيخ الثقة
سيادة القانون
لا بالصراخ…
ولا بالإقصاء…
ولا بتخوين كل مخالف.
ثامنًا:
الخلاصة الحادة والواضحة
> سورية ليست مهددة من الخارج… بل من الداخل.
من خطاب الإقصاء
من أدوات التكفير
من منصات التحريض
من الجهل والعصبية
من ثقافة التشويه
ومن كل من يرى أن الوطن يُبنى بإلغاء الآخر لا باحتضانه
إذا استمر هذا الخطاب، فإن انهيار الدولة لن يكون خطرًا محتملاً…
بل واقعًا لا مفرّ منه.
سعيد فارس السعيد
كاتب وباحث استراتيجي مستقل
متخصص في قضايا الأمن الاجتماعي والوطني

















Discussion about this post