كتب د.رفعت شميس :
– برحيل الدكتور رياض نعسان آغا، تنطفئ واحدة من القناديل التي أنارت المشهد الثقافي والسياسي والإعلامي في سورية والعالم العربي لعقود طويلة. رجلٌ لم يكن مجرد مسؤول أو مثقف عابر، بل كان مؤسسة قائمة بذاتها، تحمل خبرة السنين، وهدوء الحكيم، وعمق الباحث، ورهافة الأديب، وحنكة الدبلوماسي.
بدأ الراحل مسيرته في الإعلام مديرًا للتلفزيون العربي السوري، في مرحلة كان فيها الإعلام الرسمي نافذة البلاد إلى العالم، فعمل على تطويره، وتحديث خطابه، وإرساء مهنية رصينة تركت أثرها في أجيال من الإعلاميين. ثم انتقل إلى العمل الدبلوماسي سفيرًا لسورية في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث مثّل وطنه بأرفع درجات الاتزان واللياقة، وبنى علاقات ثقافية وإنسانية ظل صداها حاضرًا حتى اليوم.
ولم يلبث أن عاد إلى دمشق ليشغل موقع مستشار في القصر الجمهوري، ثم تولى لاحقًا وزارة الثقافة، فكان الوزير الذي يعرف قيمة الكلمة، ويدرك أن الثقافة ليست ترفًا، بل هي روح الأمة وذاكرتها وهويتها. في عهده، ازدهرت المشاريع الثقافية، وتوسعت الفعاليات، وارتفعت مكانة المثقف في المشهد العام.
إلى جانب المناصب، كان الدكتور رياض نعسان آغا كاتبًا وباحثًا ومفكرًا وأديبًا، ترك عشرات المقالات والدراسات والكتب التي تناولت الفكر والتراث والسياسة والأدب. كان صاحب قلم هادئ، لكنه نافذ، وصوت متزن، لكنه عميق، ومدرسة في الحوار تجمع بين الحكمة والإنصاف، وبين المعرفة والإنسانية.
لقد كان مخضرمًا بحق في العمل السياسي والدبلوماسي والثقافي، يجمع بين التجربة والخبرة، وبين الرؤية والواقعية، وبين الانتماء الوطني والبعد العربي الرحب. وبرحيله، تخسر سورية أحد أبرز وجوهها الثقافية، وتخسر الساحة الفكرية صوتًا كان يوازن بين العقل والوجدان، وبين التراث والحداثة، وبين الثبات والانفتاح.
نسأل الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يجعل ما قدمه في ميزان حسناته، وأن يلهم أسرته وأصدقاءه ومحبيه وتلامذته جميل الصبر والسلوان. رحم الله الدكتور رياض نعسان آغا… فقد رحل الجسد، وبقي الأثر، وبقيت السيرة شاهدًا على رجل عاش كبيرًا ورحل كبيرًا.

















Discussion about this post