عين على نص “ابتهاج مؤجل ” بين خفف خالية و أمنيات شاردة ” للإعلامية إلهام عيسى /سوريا
بقلم الأستاذة سعيدة بركاتي /تونس
“أحيانا نؤجل بعض الافراح لأننا لم نجد من يشاركنا بهجتها “.
#القـــراءة :
يتبادر إلى ذهن المتلقي أول سؤال ؛ ماهي الأسباب التي جعلت من بهجة الفرح عند الشاعرة مؤجلة ؟
فالعنوان يوحي بحرارة انتظار للحظة فارقة ؟
“ابتهاج مؤجل ”
الابتهاج : هو حالة من السعادة الغامرة الناقظة لحالة الانزعاج و المصطلح دلالة على أقصى حالات السعادة المصاحبة للشعور التام بالرضا ؛ للأسف تم تأجيل هذا الشعور الجميل (أول انطباع عن النص).
الشاعرة لم تحدد مكانا في النص ،من يسافر بخياله هو في مكان واحد :قد يكون مغلقا أو مفتوحا،كأنها في حالة شلل مؤقت من الحركة المادية ، أخذت ركنا قصيا فكان كثيفا في خيالها :/مآذن/سفن خرمة /نوافذ صدئة ..
أما الزمن فهو الليل: تنسمت فيه خففا خاوية .
إذَا وسعنا النظر في النص قد يتبين لنا أن الشاعرة مع صدى كلماتها تدثرت “بأسطاير حرف محال” . فهل وقف عندها الحرف و جف انسياب أمواهه؟
النص هو رحلة سفر واقفة خطوته إلا في خيال و ذات الشاعرة ،كل عناصره هشة و متعبة و كأنها تحتضر :خففا خاوية /مآذن ليس لها حرمة /سفن خرمة /من أوراق الريح نزرع شجرة /نوافذ صدئة …
لم نجد فيه حركة فعلية إلا في تشييد السفن الخرمة و زرع الشجرة .
يلاحظ المتلقي أن تأجيل الابتهاج عديدة أسبابه خاصة عدم توفر الوسيلة للوصول إليه : حالة السفن . فاعتلت صهوة جواد خيالها… :قد يكون موجودا هذا الحبيب أو لا ،قد يشعر بحنينها إليه أو لا … كلما تقدمنا في النص إلا و تعترضنا العراقيل و يزداد بحثنا عن “الابتهاج و إن كان مؤجلا ” (أين تفاعل الحبيب؟).
في انتظارها للفرح تعيش الشاعرة صراعا داخليا بين الحزن و الشوق و ربما الفقد ،فداخلها خاوي ،لم يطاوعها الحرف في بث رسائلها للوصول إلى الحبيب. فهي تبحث عن المحال في بواطن المستحيل : كيف لها “على آسنة الأنامل تُشيد سفنا “خرمة””: و الشيء الآسن هو الذي أصبح فاسدا و غير صالح للاستعمال كالمياه الآسنة ؛ فالسفن هي وسيلة نقل تربط بين ضفتين ، سفن الشاعرة شبيهة بسفن المتنبي حين تكون الظروف و النتائج معاكسة لما يخطط له المرء و يطمح إليه : يقول “…تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن “. فيجرنا الحديث إلى علاقة هذا السطر بعتبة النص /طال انتظار الشاعرة للقاء حبيبها:أطراف أناملها باتت حركتها بطيئة و ما السفن الخرمة إلا كانت سفننا صالحة للإبحار في ما مضى و مصارعة للأمواج حد الوصول إلى الضفة الأخرى :بين الآسنة و الخرمة علاقة زمن طويلة ،قد أوحى لي السطر بعملية ترقيع للسفن من كثرة “تأجيل السفر” فتآكلت بملح البحر .
من أوراق الريح ..نزرع شجرة :نتفق أن الريح أشد و أعنف من الرياح ،قد يشير هذا إلى شدة شوق الشاعرة إلى الحبيب و قد يشير كذلك إلى ما مر بالشاعرة من معاناة قوية جعلت من ابتهاجها و فرحها يتأجل و بغيابه أخذ كل شيء معه إلا الهواجس التي صارت تتعبها و تزورها “ليلا” : لم يبق إلا”أوراق الريح تزرع منه شجرة” : ننتبه إلى الفعل الذي جاء في صغة الجمع مع ضمير المتكلم “نحن” : اشارة إلى : لو اجتمعت بحبيبها ستُعيد بناء و تجديد حبها ولو من أوراق الريح فتنمو من جديد العلاقة بينهما وربما يزول فعل تأجيل الفرح . التفت روحها بمعطف الهواجس : و هذا الثوب عادة “المعطف”هو لتدفئة الجسم من الصقيع و البرد :روح الشاعرة يعتريها هذا الصقيع /سببه برود الطرف المقابل و عدم تفاعله و لم يلبي النداء حتى عند تجديد الغرس “نزرع شجرة / طال غيابه .
المرء حين تتمكن منه الهواجس تجده في اضطراب نفسي و سلوكيات قهرية و “استبد به هاجس الليل ” : الخاطر الذي يجول ببال المرء قبل النوم خاصة عندما يكون به قلق و حيرة /و الليل هو زمن النص :”على وشاح الليل”…
أمنيات الشاعرة شاردة : و الشرود في النص ذهني جراء الهواجس ، عقلها في حالة توهان منشغل بالعديد من الأفكار /الهواجس/ ربما فقدان وقتي للذاكرة و هو من علامات الضياع و الخروج من العالم “آنِها” و السفر بعيدا بالعقل” الخيال ، لم يعد للعقل مجال ” دون تحديد الهدف .
أيٌُ حالة وصلت إليها الشاعرة ؟ المتلقي ينتظر حلول الابتهاج ،و انفراج النص و لو بنقطة ضوء في آخره ،لكن الشاعرة لا تزال تبحث عنه في تراتيلها عند المآذن التي ليست لها حرمة ، في أوراق الريح ، في غرس شجرة ، في ترميم سفن خرمة … فالنص برمته مسقط على ذاتها التي تتخبط في فرحة مؤجلة : داخلها يرنو إلى الامتلاء عاطفيا حتى تحقق البهجة .
اعتاد المتلقي في نصوص الشاعرة الهام عيسى على وجود التناص الديني كان بالاشارة أو بسطر من سورة قرأنية مباشرة :نص” ابتهاج مؤجل” ورد فيه هذا التناص : التراتيل /المآذن /و خاصة مفردة “آسنة” و التي وردت في سورة محمد الآية 15 :”فيها أنهار من ماء غير آسن”.
قد يكون للنص اسم مغاير غير عتبته الأصلية “كالنوافذ الصدئة ” لأنه الأقرب :فقد شهد محاولة لترميم ذات خرمة صدأت أبواب نوافذها من طول انتظار بين الحنين و الضياع ، بين الفقد و الهواجس ، و النوافذ الصدئة تصدر صوتا مزعجا (الصرير) حين تعبث بها الرياح ، سمعناه مع الريح و اوراقها و نوافذه الصدئة …
لكن هذا لم يمنع من وجود مكامن الجمال اللغوي في النص : لعبت الشاعرة مع الحروف /خففا ،خاوية ، وكذلك مع المفردات انطلاقا من العنوان /ابتهاج مؤجل/أسطاير حرف /وشاح الليل/تتراقص مع أمنيات/تراتيل … فكان رنين جرسه بين القرب و البعد ،تبعثرت فيه أوراق الشاعرة و ضاعت في متاهات الهواجس .
يتضح جليا مما تقدم أن النص قطعة شعرية مدججة بالإحساس عبر عن حالة انتظار طويلة تعيشها الشاعرة إلى أن اضطرت مرغمة إلى السفر بخيالها على وشاح الليل لعلها تبلغ ضفة الحبيب الذي غاب حضوره كليا عن النص (اجابة عن سؤال تفاعل الحبيب أعلاه) ،فقد وردت أغلبية الأفعال مع ضمير المتكلم المفرد “أنا” :أسافر/أتدثر/أتنسم ، و فعل فقط مع ضمير المتكلم “نحن” نزرع ،و هذا الأخير نداء للبناء من جديد لعل تعود البهجة لذات و عالم الشاعرة ،فحين ينمو الزرع عموما فقد دخل الربيع بعد تساقط الأوراق التي عبثت بها الريح و ما الأوراق إلا الأيام التي بعثرها الزمن مع طول الانتظار “خارج نص الاستواء “.
بقلم سعيدة بركاتي/تونس
النـــص :
ابتهاج مؤجل” ”
أسافر معك بالخيال
أتدثر بأسطاير حرف محال
على وشاح الليل أتنسم خففا خاوية
ترمي بتراتيل مآذن لم تعد لها حرمة
على آسنة الأنامل تشيد سفنا خرمة
من أوراق الريح
نزرع شجرة ..
تصد نوافذنا الصدئة
تلتف روحي معطف الهواجس
وتتراقص مع أمنيات ما زالت شاردة
خارج نص الإستواء
الشاعرة و الإعلامية إلهـــام عيســـى
المراجع
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%AC
https://ma3lomateworld.com/%D9%85%D8%A7-%D9%85%D8%B9%D9%86%D9%89-%D8%AA%D8%A3%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AD-%D8%A8%D9%85%D8%A7-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%B4%D8%AA%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%81%D9%86-%D9%88/
https://www.google.com/search?q=%D9%85%D8%A7+%D9%85%D8%B9%D9%86%D9%89+%D8%B4%D9%8A%D8%A1+%D8%A2%D8%B3%D9%86&oq=%D9%85%D8%A7+%D9%85%D8%B9%D9%86%D9%89+%D8%B4%D9%8A%D8%A1+%D8%A2%D8%B3%D9%86+&gs_lcrp=EgZjaHJvbWUyBggAEEUYOTIHCAEQIRigATIHCAIQIRigATIHCAMQIRigATIHCAQQIRigATIHCAUQIRigAdIBCTExMTI5ajBqOagCDrACAfEFIDiPWOACgfnxBSA4j1jgAoH5&client=ms-android-samsung-rvo1&sourceid=chrome-mobile&ie=UTF-8
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D8%A7%D8%AC%D8%B3/
https://surahquran.com/aya-15-sora-47.html


















Discussion about this post