مرتفعات الجولان:
أصل استراتيجي متعدد الأبعاد في معادلة الشرق الأوسط
#ملخص_تنفيذي
تمثل مرتفعات الجولان أحد أكثر الأصول الجيوسياسية قيمة في المشرق العربي، ليس فقط من زاوية السيادة الإقليمية، بل بوصفها أصلًا استراتيجيًا مركبًا يجمع بين الأمن العسكري، والأمن المائي، والقدرة الاقتصادية، والتأثير الجيوسياسي طويل الأمد.
تتعامل هذه الورقة مع الجولان كـ
Strategic High-Value Asset،
وتبرهن بأن استمرار فقدانه يفرض
قيودًا بنيوية على أي مشروع لإعادة بناء الدولة السورية أو إعادة تموضعها الإقليمي.
أولًا: الأهمية الجيوستراتيجية – الجولان كمنصة تحكم إقليمي
تشكل مرتفعات الجولان نقطة تفوق طبوغرافي واستراتيجي نادرة في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط. إذ تتيح السيطرة عليها:
إشرافًا عسكريًا مباشرًا على جنوب سورية وشمال فلسطين والأردن.
قدرة استخبارية متقدمة بفعل الارتفاع الجغرافي والبنية الطبوغرافية.
تعزيز عقيدة الردع الدفاعي والهجومي في آن واحد.
من هذا المنظور، فإن السيطرة الإسرائيلية على الجولان منذ عام 1967 تمثل خيارًا استراتيجيًا بنيويًا يهدف إلى إعادة تشكيل ميزان القوة الإقليمي، وليس مجرد إجراء أمني ظرفي.
ثانيًا: الجولان والأمن المائي – مورد سيادي حاسم
تُعد مرتفعات الجولان جزءًا محوريًا من منظومة الأمن المائي في بلاد الشام، نظرًا لاحتوائها على:
منابع رئيسية لنهر الأردن.
احتياطات جوفية ذات جودة عالية واستدامة طويلة الأمد.
في سياق إقليمي يتسم بتصاعد الضغوط المناخية وتناقص الموارد المائية، تتحول الجولان إلى أداة سيطرة مائية (Hydro-Strategic Leverage).
فقدان هذه الورقة يضعف قدرة سورية على تحقيق أمنها الغذائي ويحد من خياراتها التفاوضية مستقبلًا.
ثالثًا: البعد الاقتصادي – أصل غير مُفعّل قسرًا
اقتصاديًا، تمثل الجولان حالة نموذجية لأصل استراتيجي غير مُستثمر بفعل الاحتلال، رغم امتلاكه إمكانات عالية في عدة قطاعات:
1. الزراعة عالية القيمة
تربة بركانية خصبة.
قدرة على إنتاج محاصيل ذات قيمة مضافة عالية للتصدير.
قابلية لتطوير زراعة ذكية ومستدامة.
2. الطاقة والموارد الطبيعية
مؤشرات جيولوجية على احتياطات نفط وغاز محتملة.
إمكانات مرتفعة للطاقة المتجددة (الرياح والطاقة الشمسية).
3. الاقتصاد السياحي
مؤهلات قوية للسياحة البيئية والطبية والتاريخية.
موقع يسمح بالاندماج في مسارات سياحية إقليمية.
من منظور الاقتصاد السياسي، فإن تعطيل هذه الإمكانات لا يعود إلى ضعف الموارد، بل إلى غياب السيادة.
رابعًا: الجولان وإعادة بناء الدولة السورية
لا يمكن لأي استراتيجية وطنية سورية جادة أن تتجاهل ملف الجولان أو تؤجله إلى مسار تفاوضي غير محدد زمنيًا.
فالجولان يشكل:
ركيزة للأمن الغذائي والمائي.
عنصرًا حاسمًا في الاستقلال الاقتصادي.
أداة لإعادة التوازن في العلاقات الإقليمية.
الدول التي تفقد أصولها الاستراتيجية وتتكيف مع هذا الفقد تتحول تدريجيًا إلى دول منخفضة السيادة (Low-Sovereignty States).
خامسًا: الجولان والنظام الدولي – إشكالية الشرعية والقوة
أعاد الاعتراف الأمريكي بضم الجولان طرح سؤال جوهري حول مستقبل النظام الدولي القائم على القانون.
فالسابقة تؤكد:
أولوية منطق القوة على الشرعية القانونية.
هشاشة قواعد النظام الدولي في التعامل مع الأصول الاستراتيجية.
ومع ذلك، تُظهر التجارب التاريخية أن الأصول الاستراتيجية لا تُمحى من معادلات القوة، بل تبقى كامنة إلى حين تغير السياقات الإقليمية والدولية.
خاتمة وتوصيات سياساتية
تخلص هذه الورقة إلى أن مرتفعات الجولان ليست ملفًا تاريخيًا أو تفاوضيًا تقليديًا، بل قضية مستقبلية بامتياز.
وعليه توصي بـ:
1. إعادة تعريف الجولان في الخطاب السوري بوصفه أصلًا استراتيجيًا شاملًا.
2. دمج ملف الجولان في أي تصور لإعادة بناء الدولة والاقتصاد.
3. تطوير خطاب بحثي وحقوقي موجه للمؤسسات الدولية يربط بين الجولان والأمن المائي والغذائي العالمي.
4. التعامل مع الجولان كرافعة قوة طويلة الأمد، لا كملف مغلق أو مؤجل.
إعداد
مجموعة من الباحثين في دار الشعب للنشر
إشراف
حسين راغب الحسين
مدير الدار

















Discussion about this post