سمير باكير-
النظام السياسي في لبنان، المتأثر بتوازنات طائفية دقيقة وتدخلات خارجية متعددة، لطالما كان ساحة لتنافس معقد بين الفاعلين المحليين. ضمن هذا السياق، يلعب المسيحيون، وبخاصة الموارنة، دورًا محوريًا في انتخاب رئيس الجمهورية. ومع احتمال تمديد ولاية جوزاف عون، القائد السابق للجيش اللبناني، من المتوقع أن تتصاعد الخلافات بينه وبين سمير جعجع، رئيس حزب “القوات اللبنانية”، لما لهما من طموحات متقاطعة داخل الساحة المسيحية.
1. التنافس على زعامة المجتمع المسيحي
يُعدّ منصب رئاسة الجمهورية، المخصص للموارنة بموجب النظام الطائفي اللبناني، موقعًا رمزيًا واستراتيجيًا في زعامة المسيحيين. يسعى سمير جعجع منذ سنوات لترسيخ نفسه كزعيم سياسي بارز للمسيحيين، مستندًا إلى قواعد حزبية صلبة. في المقابل، يتمتع جوزاف عون بشرعية مستمدة من خلفيته العسكرية ودعمه الدولي، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لمكانة جعجع. ومع سعي عون المحتمل إلى تمديد ولايته، قد يتحول التنافس بينهما إلى صراع مباشر على قيادة المسيحيين.
2. التباين في الموقف من حزب الله
على الرغم من أن كلا الشخصيتين تعارضان توسع نفوذ حزب الله داخل الدولة اللبنانية، إلا أن أسلوبيهما في التعبير عن هذا الموقف يختلفان بشكل واضح. يتبنى جعجع خطابًا هجوميًا علنيًا ضد الحزب، في حين يميل عون إلى مقاربة أكثر توازنًا، ساعيًا لتجنب الصدام المباشر بين المؤسسات الرسمية والحزب. هذا التباين في الرؤية قد يؤدي إلى تفاقم الانقسام بين الطرفين مع اقتراب موعد الاستحقاقات السياسية.
3. المواجهة بين الهيكلية الحزبية والشرعية المؤسسية
يمتلك جعجع تنظيمًا حزبيًا متماسكًا، وشبكة إعلامية وبُنى تنظيمية ممتدة منذ عقود. بينما دخل جوزاف عون المعترك السياسي من باب المؤسسة العسكرية، ويعتمد على شرعية منصبه السابق ودعمه الخارجي. هذا التفاوت البنيوي يعمّق التنافس بين الطرفين حول مصادر النفوذ السياسي، ويثير مخاوف جعجع من احتكار الرئاسة من قبل شخصية لا تملك قاعدة حزبية ولكن تحظى بدعم دولي.
4. تضارب الطموحات السياسية
يُعد تضارب الطموحات السياسية أحد أبرز العوامل في تصاعد التوتر بين الشخصيتين. إذ يعتبر جعجع نفسه الأجدر بالرئاسة، لا سيما بعد ترشحه في مناسبات سابقة، بينما يُنظر إلى سعي عون لتمديد ولايته كعقبة مباشرة أمام تحقيق طموحات جعجع. بهذا، يتحول الخلاف من مجرد تنافس سياسي إلى صراع على مستقبل السلطة في لبنان.
5. التباين في مصادر الشرعية والدعم الدولي
يحظى كل من جعجع وعون بدعم خارجي، لكن طبيعة هذا الدعم وأهدافه تختلف. يرتبط عون بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وبعض دول الخليج العربي، التي غالبًا ما دعمته خلال قيادته للجيش. في المقابل، يستند جعجع إلى دعم تقليدي من المملكة العربية السعودية وبعض الدول الغربية. هذا التباين في علاقات الخارج قد يتحول إلى عنصر انقسام داخل البيت المسيحي اللبناني، خاصة إذا تبلور في شكل تنافس انتخابي صريح.
6. دور الأزمة الاقتصادية في تغذية الصراع السياسي
يمر لبنان بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، مما يعزز من فرص التصعيد السياسي. يُنظر إلى عون كرئيس للجمهورية كجزء من النظام الحاكم المسؤول عن الانهيار المالي، ما يمنح جعجع فرصة لطرح نفسه كبديل. ومع ذلك، فإن ماضي جعجع وتحالفاته السابقة قد يضعانه أيضًا في موقع النقد. وفي حال نجح عون في تقديم نفسه كشخصية معتدلة قادرة على إدارة الأزمة، فقد يكسب دعمًا شعبيًا في مقابل التصعيد الخطابي الذي يتبناه خصمه.
7. تأثير التنافس على الانتخابات البرلمانية والائتلافات السياسية
يتعدى التنافس بين الطرفين منصب الرئاسة، ليطال أيضًا هيكلية البرلمان والتحالفات المستقبلية. تمكنت “القوات اللبنانية” من تحقيق نتائج مهمة في انتخابات 2022، ما يعزز من قدرة جعجع على المناورة في وجه تمديد ولاية عون. وفي المقابل، قد يسعى عون إلى بناء تحالفات عابرة للطوائف، مع السنة والدروز مثلاً، ما قد يثير ردود فعل حادة من جانب جعجع.
8. دور المؤسسة العسكرية والأمنية
يشكل الارتباط الوثيق لعون بالمؤسسة العسكرية نقطة قوة له، خاصة في ظل التوترات الداخلية. في حال تفاقمت الأزمة السياسية أو اندلعت اضطرابات، قد يجد عون نفسه في موقع يسمح له بالاعتماد على الجيش كقوة ضابطة. في المقابل، يفتقر جعجع لهذا النوع من النفوذ، وقد يلجأ إلى التحشيد الشعبي أو التصعيد الإعلامي والسياسي، ما قد يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب في البلاد.
فلیلاحظ أن الصراع بين جوزاف عون وسمير جعجع ليس مجرد تنافس شخصي على منصب سياسي، بل يعكس أبعادًا بنيوية في النظام اللبناني، ويكشف عن التوتر القائم داخل المجتمع المسيحي وبين محاوره المتعددة. كما أن هذا الصراع يتأثر مباشرةً بمعادلات إقليمية ودولية، ما يجعله أكثر تعقيدًا وخطورة.
Discussion about this post