روح تؤذّن لصلاة الجسد
مجموعة قصائد نثرية تفاجئنا بها الشاعرة التونسية ضحى بوترعه في اصدار تقتحم به جوهر قضية جدلية أزلية بين الرّوح والجسد
شاعرة مجازفة جريئة تطرح من منظور شعريّ قضيّة فلسفيّة في تحدّ وتمرّد …مواجهة “أناها بترسبات وتداعيات عميقة محفورة في ذاكرتها في وعيها واللا وعيها الوجاني
حسّ بوطأة الضّوابط والطّقوس المفروضة على طفلة نمت في عائلة ارستقراطية يتنامى مع وعي شعريّ بثقله وهي اضاءات تضيء مسارب التلقي والفهم وتكمل دلالية وتأويلية القراءة في هذا المنجز
فمهما كانت رصانة وعمق مقروئية هذه المجموعة فالانتهاء الى المعنى يطلّ محكوما بمقاصد شاعرتنا التي في انصاتها الجيّد لذاتها وتوظيف تجربة حياتية وخبرة وجودية تروم كسر النّظرة المتوارثة في تمثلات الجسد في الابداع النسائي بصياغة خصوصية تخلخل هذا المنظور النّقدي وتتيح مبحثا حداثيا فيه
وقد انتبه النّقد الحديث لهذه الأصوات الشّعرية فبرزت مؤلفات في الغرض أذكر منها مؤلف الدّكتور عبد النور ادريس “” النّقد الجندري”
ففي هذه المجموعة الشّعرية تداخل التجربة الذّاتية لشاعرتنا مع السّائد لإنتاج جدلية الرّوح والجسد المهيمنة في قصائد نثرية تجيء في استرسال و رؤية للعلاقة بينهما تتخطّى المفهوم العدمي الماديّ الى مفهوم يتسّم بالعمق والتّكامل بينهما لتأمين توازن الإنسان ..بصفة عامّة وهو مفهوم يقترب كثيرا من المفهوم الديني الاسلامي “وابتغ فما أتاك الله الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدّنيا من سورة القصص الىية 77
حضور الذّات في هذه المجموعة الشعرية
ما نلاحظه في هذه المجموعة حضور ا طاغيا للذّات وما ىتحمله من تداعيات
تنتهي الى تمثّلات هذا الجسد الأنثوي تدعو الى رؤية جديدة تستثمر أفق شعريّته الجديدة
تقول الشّاعرة
كيف اقنع الجسد العليل
وأرافق النّعناع المكسورة فوق ركبة امّي تفضح عظامي الهشّة
أرثي الذّاكرة…أغني لزهرة خضّبتها بدمي المتوحش
نقيضان في جسد واحد
_ احتفالات المدينة بخطايا راهب
يرسم الصلاة لصبية لم ترتب جسدها بعد
صوت شعري عال يندّد بمظاهر الإغفال والتّعسف كيف وقد علّمتني امي الا اصغي الى نبضي النزوة
ولا الى جسدي الخطيئة
على حافة روحي اضيء الغسق هناك
_وتحتشد كثافة الصور الشّعرية الحداثيّة بجماليتها وأبعادها الفلسفيّة
الوهن يدوّن مايريد فوق تضاريس الجسد
الحلم والوهم مجازان للروح
كل ابتكارات الحبرجرّبتها وقد انتهيت من السّهرة الأولى
ويرتقي الخطاب الشّعري بغية تحديثه ليصيرالجسد تمثّلا تظهر من خلالهالأدبية وجمالية الذّات الباطنة وتحريرها من كلّ اسقاطات خارجية
أجفّف الذّاكرة من أجنحة الأولين
وتأويلات قديس يرى الخروج عن اسلافنا اثما
سأركض اتخطى جدتي المسّنة
الى طفلة عاشرني لهوها الماكر
_أنت وأنا نستعيد شرف العشق
وصرخة البدء لروح ليل يوقظ الجسد جمرا
نقفل أزرار الخطيئة
ونعبر الى صلاة اخرى
خطابية تعلن تمرّدها في نموذج لذات يتنازعها قطبان جسد آثم وروح
قدسيّة
ويتوسّع الدال الشعري في مجموعة الشاعرة روح تؤذن لصلاة الجسد إلى أنساق لسانية تستوعب شفرات العلاقات الدّلالية بين المفردات ويكتشف الانزياحات الأسلوبيّة
فيتساءل قارئها عن العلاقات الدّلالية بين المفردات هنا الكاشفة عن انزياحات أسلوبية مقدودة ببراعة واقتدار
اية علاقة بين
لهو الأطفال ومكيدة اللغة
ويجيء الطرح في هذه المجموعة باداوات بلاغية تجسّد معنى ومعنى المعنى وتجسم تعدّد الدّلالات وقد ساعد الاستخدام المجازي للغة عن طريق التشبيه والاستعارة
تقول
يعلو القلب قليلا من روح تؤذن لصلاة الجسد
يجيء الريح اغزل له ثوبا واجعل الكف عاليا لاقطف السحب واتهجى المدى
قلبي مدن تستحم بماء الفضة
وهذا الجسد من الفيض يترصده الصباح
خباتك واقتسمنا نضج الروح
فالنّسق والنّظم اللغوي في هذا المنجز في منظورها البلاغي تحقق حداثة الطّرح وتمثلات الجسد الانثوي في علاقته مع الروح
تقول
قلب يلفظه الجسد وانا اراقب أسطورة الرّوح
ساعترف انك الخارج من هواجس النّوم تحجب الوقت الشهيّ وخوارق الجسد
اترك لي بقايا الأرض والحلم النّاعم
لاكون انثى تعيد جسدها قبل الخلق
وهومايضع المتلقي داخل وعي النّص الجديد لجسد انثى في دلالات شعرية متفوّقة
لتكتب شاعرتنا على جسدها مقاطع نصيّة …فيصير الجسد في النص فتحا ميطيح بالنّظرة الدّونية وبموروثها الثّقافي والسّيكولوجي ويجيء في أنساق تعبيريّة راقية
كقولها
ملوك تتطاير من جسدي
وشيء في حضن الروح
ملائكة تعيد عرس الجسد المرمري
ومن يكمل القصيد على جسد شاعرة يستأثر منجزها باهتمام منطلقه احساس قوي بقداسة الجسد وضرورة توازنه مع الرّوح بمُثلها .
زخم إبداع للشّاعرة التّونسية ضحى بوترعه في الأدب النّسوي بتمثلاته يتيح للنقد مجالات بحث وتمعّن فيه
Discussion about this post