بقلم: سعيد فارس السعيد
كاتب وباحث مستقل
صوت من أجل شرقٍ يولد من الرماد، لا من تحت الركام
في خضم ما يشهده عالمنا اليوم من عنفٍ وتعصّبٍ وتحريضٍ باسم الدين، يبرز السؤال الجوهري:
هل هذا هو الإسلام كما أنزل على محمد (ص)؟
أم أنه صورة مشوهة صنعها المتطرفون؟
إن العودة إلى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة المتفق عليها تكشف بكل وضوح أن الإسلام المحمدي الحقيقي، هو دين الرحمة والعدل والحرية والحوار ، لا القتل والإجبار.
الإسلام يؤكد على أخوّة الإنسان ووحدة الأصل:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”
(سورة الحجرات: 13)
القتل مرفوض،
والإجبار محرّم:
“مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ۖ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”
(سورة المائدة: 32)
“لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ۗ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”
(سورة البقرة: 256)
“ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”
(سورة النحل: 125)
النبي محمد (ص) رسّخ قيم التعايش:
قال (ص):
“يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب. لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى”
(رواه أحمد)
وقال (ص):
“من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا”
(رواه البخاري)
وقال (ص):
“من آذى ذميًّا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله”
(رواه الطبراني)
الإسلام يحمي الكرامة ويدعو للحوار:
“قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ”
(سورة الكافرون: 1–6)
“وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”
(سورة البقرة: 83)
“فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ”
(سورة آل عمران: 159)
__ الإسلام دين سلام:
“وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”
(سورة الأنفال: 61)
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً”
(سورة البقرة: 208)
الخاتمة:
إن الإسلام المحمدي، الذي جاء به محمد (ص)، لم يكن دعوة للقتل أو الإقصاء،بل رسالة إصلاح ورحمة وكرامة وعدالة ، تضع الإنسان أولًا، وتحفظ له حقه في الحياة والاختلاف.
وكل خطاب ديني يدعو للكراهية أو يحرّض على العنف أو يكفّر الآخر،
هو انحراف عن جوهر الإسلام، وخيانة لرسالة النبي الأكرم محمد (ص) الحقيقية.
وقال الإمام علي :
“الناس صنفان:
إما أخ لك في الدين،
أو نظير لك في الخلق”
ولقد أكد الإسلام على الحوار، والكلمة الطيبة، والعقل، لا على الإكراه والرصاص.
آن الأوان لعودة الدين إلى وظيفته الأصلية:
تهذيب النفس، لا تحريضها.
فالأوطان لا تُبنى على الدم، بل على المحبة، والعدل، والحرية، والكرامة.
العدالة في الإسلام:
1. “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ”
(سورة النحل: 90)
> هذه الآية تُعد من جوامع الكلم، أمرٌ إلهي عام بالعدل بين الناس، في الحكم، والكلام، والمعاملات.
2. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ”
(سورة النساء: 135)
> دعوة صريحة لقول الحق والعدل حتى على النفس أو الأقربين.
3. “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”
(سورة المائدة: 42)
> حب الله للمُقسطين (العدل) يشير إلى أهمية العدل في التقرب إلى الله.
القصاص والعدالة الجنائية:
4. “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”
(سورة البقرة: 179)
> تؤكد الآية على حكمة القصاص في حماية الأرواح ومنع الجريمة، فهو ردع وعدالة في آنٍ معًا.
5. “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى…”
(سورة البقرة: 178)
> تشريع واضح للقصاص كحق وعدل لذوي القتيل، مع إمكان العفو والصلح أيضًا
🔹 المساواة والكرامة الإنسانية:
6. “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ…”
(سورة الإسراء: 70)
> تأكيد على تكريم الإنسان من حيث هو إنسان، دون النظر لدينه أو عرقه أو لونه.
7. “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ…”
(سورة الحجرات: 13)
> أساس المساواة بين البشر، والدعوة للتعارف لا التنازع، والتقوى هي معيار التفاضل الوحيد.
🔹 العدل بين الناس وعدم التمييز:
8. “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ”
(سورة المائدة: 8)
> حتى مع الأعداء، لا يُسمح بظلمهم، والعدل فريضة لا يسقطها الحقد.
أما الآيات القرآنية التي تؤكد على قيمة العفو والمسامحة،
وهي من المبادئ الجوهرية في الإسلام المحمدي.
1. ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
(سورة المائدة: 13)
> أمرٌ من الله تعالى لنبيه ﷺ بالعفو والصفح، مع تأكيد محبته للمحسنين.
2. ﴿وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾
(سورة البقرة: 237)
> دعوة للعفو، وتذكير بأن العفو خلق نبيل لا ينبغي نسيانه في العلاقات.
3. ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
📖 (سورة النور: 22)
> تحفيزٌ على العفو والصفح من خلال ربطه بغفران الله لنا.
4. ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾
(سورة الأعراف: 199)
> قاعدة أخلاقية في التعامل مع الآخرين: العفو، الأمر بالمعروف، وتجاهل الجاهلين.
5. ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾
(سورة الشورى: 40)
> تشجيع على العفو والإصلاح مع وعد بالأجر من الله تعالى.
6. ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾
(سورة الحجر: 85)
> صفحٌ خالٍ من التوبيخ أو المنة – أي صفح كريم ونبيل.
خلاصة:
الإسلام دين يدعو إلى السلام الداخلي والاجتماعي، وجعل العفو والمسامحة من صفات الأنبياء والصالحين، وهو السبيل لصناعة مجتمع متماسك يرتقي على الخلافات والنزاعات.
Discussion about this post