في البدء كان الله، وكان الحضور.
ومن رحم النور الأول انبثق الوعي، ليصير الإنسان مرآةً يعكس بها الخالق جماله وحكمته.
نحن لسنا كيانات منفصلة عن العالم، بل امتدادٌ لخلقٍ واحدٍ ينبض بذات النَفَس الإلهي.
كل ما في الوجود يتحرّك ضمن نغمة واحدة، ونحن جزء من هذا اللحن الكبير الذي لا ينقطع.
العالم لا يكمّلنا، بل يعكسنا.
حين نرى الجمال، نحن نرى ما يفيض من داخلنا من نور.
وحين نواجه الألم، نحن نرى مواضعنا التي تحتاج إلى فهم أعمق ومحبة أكبر.
بهذا الإدراك، تتحوّل الحياة من سلسلة صدفٍ إلى سلسلة إشارات،
ومن فوضى إلى نظام دقيقٍ يقودنا نحو وعينا.
الله لا يعمل من خارجنا، بل من خلالنا.
هو الوعي الذي يتجلّى فينا، والفكر الذي يوقظنا، والرحمة التي تُلهمنا الصبر في لحظات العجز.
كل ما يحدث في حياتنا — من لقاء أو فقد، من امتياز أو حرمان — ليس عبثاً،
بل حكمة تتخذ أشكالاً مختلفة لتعلّمنا العودة إلى الجوهر.
فكل إنسان نعبر به يحمل رسالة، وكل ظرفٍ نعيشه اختبارٌ لطريقة نظرنا إلى أنفسنا،
وكل فقدٍ يذكّرنا بأن التعلّق ليس طريقاً للثبات، بل للوجع،
بينما التسليم لله هو الطريق إلى الطمأنينة.
حين يبدأ الإنسان بفهم هذا المعنى، يتبدّل كل شيء.
يصبح أكثر تقبّلاً لما هو، وأعمق فهماً لما يجري حوله.
يتوقف عن مقاومة الحياة، ويبدأ بالسير معها، كمن يعرف أن لكل حدث توقيته،
ولكل تجربة مقامها في حكمة الله الواسعة.
في هذا الوعي، نتعلّم أن لا نحكم سريعاً.
أن نرى في الفقد باباً للنضج، وفي الألم وسيلة لتطهير الروح.
أن نفهم أن الامتياز الحقيقي ليس ما نملكه من مظاهر،
بل ما نعيه من معانٍ، وما نحمله في داخلنا من صدقٍ وسلام.
فحين نصل إلى هذه النقطة من الإدراك، نبدأ برؤية الله في كل شيء.
في الوجوه، في التفاصيل الصغيرة، في الصباح الذي يولد رغم التعب،
وفي القلب الذي ما زال يختار المحبة رغم الجراح.
وهناك، في أعمق نقطة من الوعي،
نكتشف أن قيمتنا لا تُقاس بمكانتنا، ولا بما حققناه في الخارج،
بل بجوهرنا — بالروح التي هي نفحة من الله،
تسكننا بصمت، وتذكّرنا أننا لسنا وحدنا أبداً،
بل نحن امتداد لحضورٍ لا يغيب، وقطرة من بحرٍ لا ينتهي.
دمتم بوعي
















Discussion about this post