🖌️📖حين يتكلّم الصمت قراءة فونولوجية بلاغية
لنص (في انتظار أن ينبت لي جناحان)
للاديبة التونسية سلوى الراشدي
Saloua Rachdi
——
—أ—مدخل عام:
النصّ يَسكنهُ صمتُ الانتظار وتترجمه اللغة من خلال أنفاس صوتية تتردّد بين المدّ والهمس والطرق والصفير…
إنّ الحروف هنا ليست أدوات بناء لغوي بل أعضاء إحساس تُعبّر عن الحلم والغياب والرجاء
والصوت هو الدلالة-والبلاغة تتشكّل من طريقة النطق لا من المعنى المجرّد
——
-ب—في رحـــاب القصـيدة
الحروف أرواح مجنحة ترقص على إيقاع نبض الحياة في كل كلمة حيث كل حرف زفرة وتنهيدة وجيب -دفء وصفاء
وقد يكون قسوة وصلابة
لذا الحروف كائنات لغوية وجدانية
—ج—سفر مع الحروف
1. حروف المدّ (الألف، الواو، الياء) تعبِر عن امتداد الزمن وتأجيل اللقاء
(سأحلم أني أمام بابك أنتظر…)
(و الباب ينتظر…)
(و أنسى أن جدتي…)
تتكرّر في هذه المقاطع أصوات المدّ (ا، و، ي) وهي أصوات ممتدة هوائيـا
الألف في (أمام، بابك، أنتظر)تفتح المدى الزمني وتُشعرنا بأن النفس أطول من اللحظة الراهنة
والواو في (و الباب ينتظر)تُحدث تموّجا صوتيـا يوحي بالاستمرار والتكرار.
أما الياء في (أني)و(ينتظر)فتغلق الحركة بصوت لين يدلّ على تردّد الانتظار
الأثر النفسي—>المدّ الصوتي يخلق موسيقى الترقّب — الزمن لا يمضي-بل يتمدّد على صفحة الصوت…
2–الباء والدال كأني أسمع موسيقى الطرق والباب
(بابك ينتظر… و الباب ينتظر…)
(تتدلى يد من نحاس… لا تطولها يدي…)
(و ربما تأمره أن يدفع بالدّفة…)
الباء والدال هنا هما صوتان انفجاريان يتولدان من انحباس الهواء ثم انفجاره
وهذا الانفجار يحاكي صوت الطرق أو الدقّ على الباب في هذا النص
من الناحية النفسية يُحدث تكرارهما توتّـرا داخليا يوائم ويوافق حال الشاعرة
فكلّ باء ودال هي نبضة قلب أو طرقةُ انتظار على باب متروس ذكريات وذاكرة
حيث تشكّل هذه الأصوات بنية سمعية مركزية تُرسّخ صورة الباب كرمز للفاصل بين الحلم والواقع وصدقا بين الحلم والواقع باب موصدة
3–الحاء والهاء—>همس الروح والذاكرة
(لتحلم بي)
(و تبعث بطيفها)
(الى ذرى السقيفة)
والحاء والهاء من أصوات الهمس الرخوة تخرج من الحلق بهدوء وانسياب
وتشيع في النص جـوّا من السكينة الشفافة
في (لتحلم)و(تبعث)و(ذرى)
— الحاء والهاء تخلقان أنفاسـا خافتة كأنها نَفَس الجدّة الغائبة أو رفيف الطيف الذي نشعر به ولا نراه
والأثر الجمالي هنا هو الإيهام بالصوت غير المسموع (المكتوم)فالحروف المهموسة تُعبّر عن الحلم الذي يُرى ولا يُسمع
4–السين والشين والصاد—> حروف تترجم لغة السرّ والانسياب
(يصغي إلى خطاي)
(و لهفة يدي)
(و يحرص الخشب أن لا يئز)
السين والشين والصاد أصوات صفيرية تنساب بخفة صوتها ناعم خافت
في (يصغي-لهفة-يحرص- يئزّ)نسمع صفيرا رقيقا يوازي حركة الخطى أو احتكاك الخشب حيث الصفير هنا لا يُثير الضجيج بل يخلق وشوشة صوتية-وكأن المكان نفسه يتواطأ على الصمت
لذا هذه الأصوات تبني مناخ السرّ والعشق الخافت — لغة لا تُقال علنا ولا يُجاهر بها فـتُتداول همسا بين الأبواب وشقوقها
5–الراء والميم والنون—>حروف تمثل رعشة النبض وانقباض الوجدان
(و ربما تأمره أن يدفع)
(يصغي إلى خطاي)
(و لهفة يدي)
(سأخلع عنك وزرك و أبسط أوصالي)
فـالراء تُحدث اهتزازا صوتيا داخليـا والميم تُغلق النفس كأنها زفرة-والنون تفتح الكلمة من جديد بنداء داخلي
لذا هذا الثلاثي الصوتي (ر–م–ن) يتكرّر في النص في مواضع الحنين والرجاء ويعمل كـإيقاع عضوي يشبه خفق القلب وخلجاته
أما أثرها النفسي فهي حروف تمثل حركة بين الانقباض والانبساط-بين الرجاء والخذلان
وهكذا تُجسّد هذه الحروف ما يمكن تسميته بـنبض النص — فكلّها أصوات جوفية تصدر من القلب لا من الفم
6-الخشخشة والهدوء – موسيقى التناوب الصوتي
النص كله مبنيّ على توازن بين
**أصوات قوية انفجارية (ب، د، ك) ترمز إلى الفعل والحركة والطرقات.
**أصوات رخوة مهموسة (ح، س، ش، ه) ترمز إلى السكون، الحلم، الهدوء.
وهذا التناوب يُنتج موسيقى تشبه الموج
(طرقة/سكون/همس/حركة انطفاء)
وهو ما يعكس بدقّة إيقاع الانتظار — توتر ثم استسلام يقظة ثم حلم وربما استغراق في الحلم
7-النهايات الصوتية—>انطفاء الحرف في النفس
(و أشرب مدامعي..و أنزع ثوب التعب)
النهايات بالعين والباء تؤدّي دورا صوتيا بالغ الدقة
فـالعين تنتهي بجريان هوائي من الداخل إلى الخارج (شهيق)
والباء تُغلق الشفتين (انطباق)
والنتيجة —>النص يُختَتم بانطفاء سمعي يشبه الإغماضة الأخيرة قبل النوم…
إنها بلاغة الصمت لا بلاغة الصوت
—د—الخلاصة الفونولوجية البلاغية
الحروف في هذا النص تعمل كأوركسترا داخلية
**المدّ يرمز إلى الزمن الممتد.
**الانفجاريات (ب، د) تعبّر عن الطرقات والرجاء.
**الهمس (ح، هـ، س) ينقل السكينة والحلم.
**الراء والميم والنون تمنح نبضا وحرارة وجدانية
وعلى هذا الأساس القصيدة تُبنى صوتيـا قبل أن تُبنى لغويـا
كلّ حرف فيها يؤدي وظيفة عاطفية محددةحتى يصير الانتظار موسيقى تُسمَع لا مـشـهـدا يُرى
—هـ-النص
في انتظار أن ينبت لي جناحان…
سأحلم أني أمام بابك أنتظر…
و الباب ينتظر…
و من حلقة أعلاه، تتدلى يد من نحاس
لا تطولها يدي
و أنسى أن جدتي…
لم تعد وراء بابنا العتيق…
لتفتح لي
و أنها لربما تكون قد غفت هنيهة…
لتحلم بي
و تبعث بطيفها…الى ذرى السقيفة
يصغي الى خطاي
و لهفة يدي …
الى يد النحاس
و ربما تأمره أن يدفع بالدّفة ليدخل المساء…
و أدخل معه
و يحرص الخشب…
ان لا يئز و هو ينغلق لئلاّ…
يزعج ملاكي
و يأتي ما لا يليق
بنخلة الجريد، أمّه
سأدخل حديقتك…
و ألج غرفتك
و ألمس أريكتك
بقبس مفتون!
سأخلع عنك وزرك…
و أبسط أوصالي
و أشرب مدامعي…
و أنزع ثوب التعب
سلوى الراشدي
******ملاحظة
انها محاولتي الاولى في القراءة الفنولوجية لقصيدة
واخترت لها نص الاديبة سلوى الراشدي حيث إذا أخطأت في
حق قصيدتها تغفر لي
مع اعتذاري للسادة النقاد
فانا لست ناقدة بل احاول قراءةالنص بروح شاعرة
فائزه بنمسعود
Québec 5/11/2025


















Discussion about this post