بقلم: محمد فياض
بتعليمات من الدكتور رفعت السعيد رحمة الله عليه..ذهبت إلى نقاشٍ تشاركنا فيه حزب التجمع مع تسعة أحزاب أخرى حول أفضل النظم الإنتخابية التي نبني عليها مواد قانون الإنتخابات النيابية في مصر..واستمر النقاش طويلاً لعدة أشهر..كان المقر الرئيسي لحزب مستقبل وطن محل اللقاء الدوري..والذي كان يبدأ في السادسة مساءً وينتهي قرابة منتصف الليل.كنت متفائلاً أننا وقد تم تأليف هذه الطبقة الحزبية بتعليمات من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي – هكذا كانت التعليمات – وانتصرنا وقتها في نهاية النقاش الجبهوي الوطني إلى أن الإنتخابات في مصر بنظام القائمة النسبية غير المشروطة هي الأنسب لحمل البلاد إلى مستقبل يليق من حيث الممارسة السياسية وتغليب العصف السياسي الذهني لدى كل الأحزاب لطرح برامج سياسية في السباق الإنتخابي على جماهير الناخبين.. الأمر الذي يأخذ بيد الوطن من عثرات النظم الإنتخابية التي تم تجريبها في الحالة المصرية لحقب طويلة ساهمت في خلق بيئة دون المناسبة للإشتباك الفكري والسياسي..وأرست قواعد التخلي عن القانون بترك رأس المال يدخل الأسواق لشراء الذمم وتسعير أصوات الناخبين علانية في مرأى ومسمع من كل أجهزة إنفاذ القانون.
كنا نرى في الأغلبية منا في النقاش الموضوعي أن نظام الإنتخاب بالقائمة النسبية غير المشروطة يغلق أبواب المال السياسي ويفتح أبواب الترقي الحزبي وإنضاج المعاول السياسية بما يُحَصِّن المجتمع باستبدال الرشوة بالفكر. وأذكر أن ممثل أحد الأحزاب الليبرالية وكان جالساً على مقعده بجواري وأثناء الحوار الذي يعدد فيه الحضور ميزات هذا النظام إن تم اعتماده وشرعنته نصوصاً قانونية انفعل وقال:” معنى كده إن أنا ماجيش نائب . ” وعلى الفور أجبته وهل نحن تم اختيارنا لنرسم ملامح قانون تصدره السلطة التشريعية لأجلنا نحن..؟ ولكي نكون نحن النواب ؟؟ . فأجاب: نعم.
لكن النقاش انتصر في النهاية أننا نفكر لمصر وليس لحزب.
ثم كغيري فوجئت بصدور القانون المعمول به الآن والذي تمت على قواعده وفلسفته الإنتخابات من قبل.
.. ونرى بأم أعيننا أن المال السياسي وتوحش استخدامه في ماراثون الإنتخابات النيابية قد حقق حزمة من العثرات في طريق تقدم البلاد.حيث لاتنتج الإنتخابات هذه سلعةً أو آلة..بل تنتج تشريعات وقوانين تبقى لعشرات السنين وقد ووفق عليها وصدرت لتبقى..لا ليتم مراجعتها أو إرجاعها لعدم القبول المجتمعي مثلاً.. أو لانتهاء الصلاحية.
الأمر الجلل.الإنتخابات العامة والتي حققت ضمن ماتحقق بفعل القانون والإجراءات والمواءمات والإستخدام المتوحش للمال السياسي..بأن تم إسدال الستار على القدرات والخبرات وإرغام المخلصين من التيار الوطني بعدم الترشح.لعدم القدرة على مواجهة عشرات الملايين التي يهدرها المرشح الآن في كل الدوائر بغية الحصول على الكرسي البرلماني..هل من أجل الناخب.؟؟
بالقطع لا.. إلا إذا كانت مصالح وحقوق الناخب المعتدى عليها باتت زئبقية لا تُرى ويستحيل الإمساك بها.
هل فكر المرشح مع نظيره من أصحاب الحظوة والثروة في تقديم عشرة مدارس جديدة يتم تشييدها في كل دائرة إنتخابية تتسلمها الدولة لتعطيها إلى تلاميذ الدائرة فيكون المال قد خلق فرصاً حقيقية للناخبين..؟! أفضل من إنفاقه رشوة يعاقب عليها القانون..
أو أن يتضافر عدد من مرشحي الدائرة الذين يملكون فاحش الثروة المفاجئة دون مبرر..ليقدموا مستشفى للدائرة الإنتخابية..؟!
يقيني أنه لن يكون ذلك. لأسبابه منها أنه رأس مال لقيط دون جذور رأسمالية فحضر في الفضاء المصري فجاة ودون مبرر إقتصادي حقيقي يسهم في قطار التنمية.ففقد طريقه الآمن ودوره الإجتماعي وأصبح خنجراً في كبد المجتمع وقلب التنمية وعَطَباً موجوب إجتثاثه من جسد الطبقة السياسية..لفتح الإنسدادات الكثيفة في طريق الإقتصاد الوطني والتنمية المستدامة.ثم..ولندَع هذا جانباً رغم خطورته.ورغم ماتحت أيدي الدولة من براهين وإغداق المقاعد على العائلات ليقدموا للوطن سلطة تشريعية..هي الأخطر في مكانتها في النظم الجمهورية بين السلطات الثلاث. وهي الأهم حيث ولادتها المباشرة من المصدر..والشعب مصدر السلطات..تأتي السلطة التشريعية مباشرة من الشعب..على خلاف السلطة القضائية والسلطة التنفيذية..
وهي..التشريعية التي يراقبها المصدر ويثور لهدمها في مواجهة صلف سلطة تنفيذية لم يخترها الشعب بطريق الإقتراع المباشر.
إن الشعب في مصر..لاتعنيه كثيرا من يحكم البلاد.مادام الحاكم مصرياً..ووطنياً.ويفطن بدقة مآلات الفساد وأدواته وربما أيضاً كأعظم جهاز مخابراتي يعرف الشعب الطيب الشبكة العنكبوتية للفساد وتجريف الثروة وغايات إفقار المصريين لتجويعهم وإمراضهم. ويفطن بفطرته التي أربكت كل الحسابات التي أنفق عليها معسكر الأعداء والأعداء الرديف والممولين لهم مئات المليارات لكتابة كتالوج تطويعه وتدويره ترساً في ماكينة مصالح الأعداء.. والأيام الأخيرة حافلة بمعطيات ودلالات خصوبة مصر وتعافيها وقدرتها على الفعل إن أرادت.
لكن حكوماتنا لم تُرِد بعد في الملف الإقتصادي والذي بالتبعية يرتبط به ارتباط العلة بالمعلول ملفات الصحة والتعليم.أن تضع الشعب مصدر السلطات في حسبانها.. أن تخلق أسباب تقاطع خطوط شفط ثمار التنمية في مناخات تصادم لينة لتتساقط فوائض حاجة رجال المال على الشعب المُتعَب.
الأمر الذي يراكم الخيبات الحكومية الكبرى..ويصدم المواطنين ويفقدهم معطيات الحياه..في ظل أوضاع بذخ الإنفاق الذي تجلى هذه الأيام في سوق تسعير مقعد البرلمان
ودون أدنى خجل تشتد ضراوة رأس المال اللقيط الطفيلي الذي يمارس قسوة الضرر بالبنى المصرية ويحطم مااستقر قليلاً من لبنات الديموقراطية التي يسعى إليها الشعب ودفع في طريقها أثماناً وفواتيراً عظيمة لتأتي ثلة المال تعتدي على معطيات التجربة وتدفع الشعب إلى الحائط في ظل ممارسة الإرهاب بأدوات نقدية وغياب أو تغييب القيادات الحقيقية في العمل السياسي والوطني عن المشهد..ليحتدم الصراع في الإنتخابات بين القيم السياسية والوطنية..وبين رأس المال
ليحسم هذه المعركة الرأسمالية الطفيلية وتستولي ماعكف الشعب عن الحضور بأدواته الحضارية والوعيوية..على مقاعد السلطة التشريعية في غيبة الشعب المُجهَد..وهذا هو الأخطر على الدولة القُطرية المصرية.
( القاهرة.. محمد فياض)

















Discussion about this post