كتب د سليم الخراط
قضية الثورة قضية وطن مفتوحة فلمن يكون الحقل .. ولمن سيكون الحصاد ..، في زمن سقوط الأيديولوجيات ونحن نعيش زمن السقوط..، واليوم نشهد صعود العقائد الدينية والعقيدة الإسلامية اليوم لتكون بوصلة بناء الشعوب ..!!
لن اتكلم عن اسلامي وعقيدتي بل عن كل العقائد التي تختصرها المبادىء والأخلاق بمادئها المتمثلة بوصاياها العشرة في كل زمان ومكان منذ تاريخ سيدنا موسى عليه السلام .. .
لقد نشر الكثير والقراءات عن الثورة السورية ونتوجه لمن يسخر لنقول : تريدون اعلامنا إن الشرع يسير وفق الأنظمة والقوانين، وأنه لا يستطيع أن يضع كل الشبيحة بالسجن ..!!
يا هذا كائن من تكون، يمكن للشرع أن يقوم غداً بشن حرب ضد كل خصومه، و ذبح من يريد، و إعلان حالة الطوارئ، و تعيين كل المسؤولين في الدولة حتى المرتبة العاشرة ..،
يقال ربما الشرع ليس لديه خبرة كاملة بالسلطة و إدارة البلاد، و لكن أداؤه الإداري والديبلوماسي حقق في عام ما لم نراه من قبل خلال عصر آل الأسد بعقوده التين ..!! .
لكن. يمكن للمنصف أن يقرأ نوايا طيبة لديه، فمنذ أن وصل دمشق حرص على استلام وتسليم قانوني بين حكومة الجلالي وحكومة البشير ولم يكن ليلومه أحد فيما لو وضع الجلالي و كل وزراءه في السجون وقتها .. .
ثم كان بإمكانه أن يعلن نفسه حاكماً بأمر الله دون الرجوع لأحد، لكن الشرعية الأصدق حينها وهي شرعية الثورة التي تمثلت بالفصائل التي انتصرت و سيطرت على البلاد، هي من توافقت عليه و نصبته وأوكلت إليه المهمة ..، وهذه الفصائل لو أنك ابن الثورة يا من تكون ..، ومتابع لها، لعرفت أن هناك الكثير من القيادات فيها كانوا خصوماً له وبعضهم انخرط في معارك عسكرية ضده سابقاً ..، فقد
كان بإمكانه فرض حالة الطوارئ حينها وفرض أحكام عرفية إلى أن يستتب له الأمر، و لكنه سار في الأمر كما ينبغي وبما هو متاح حين انتصار الثورة وقتها، توجه لعقد مؤتمر حوار وطني ضمن نطاق المعقول في ظروف الثورة والتمهيد الانتقالي لقيادة دولة، لأنه يعلم ونعلم أنه كلما طال وقته وكلما زاد عدد المشاركين كلما صار من الصعب التوافق والخروج بإجماع ولو بسيط، و بعدها أطلق لجنة لإعداد دستور مؤقت، و أكاد أجزم لو أنك مهتم بمدى شفافية هذه اللجنة لكنت تابعت البودكاست مع رئيس هذه اللجنة د.عبد الحميد العواك ..، وأدركت مدى استقلالية هذه اللجنة ومسوغات البنود التي وضعتها .. .
اليوم معظم خطواته تصب في مسيرة بناء الدولة، صحيح هناك اخطاء اعترف بها الرئيس نفسه و يعمل على إصلاحها وأحياناً هناك قرارات وتصريحات يتم التراجع عنها، و ربما يتسائل البعض لماذا يعين إخوته والمربين إليه، أو أن التعيينات في بعض المواقع تقوم على الثقة لا الكفاءة ..!! .
كلنا لدينا تحفظات كهذه، ولكن حجم التحفظات لدينا لا تزال أقل من أن تصل لمرحلة الشك بقدرة هذا الرجل على تحقيق الاستقرار بالدولة ليقوم باستكمال العبور بالبلد نحو النمو والازدها ..، نعم لدي مثلاً تساؤل عن الديمقراطية وتداول السلطة ودولة المواطنة وحقوق الأقليات والعدالة الإجتماعية والعدالة الإنتقالية والقضاء والرقابة ومنظمات المجتمع المدني، وكلها حق لكل إنسان أن يسأل عنها، ولكن الوقوف عند هذه المطالب ووضع الاشتراطات في مرحلة كهذه تشبه من يتعارك مع الأخرين معترضاً على اللون الذي سوف يتم فيه طلاء بيت يحترق الأن ويحتاج لإطفاء وإنقاذ من فيه .
إلى الأن لا تزال مجموع الممارسات التي تتم من الرئيس ومن حوله ضمن نطاق قابل للأخذ والرد للبقاء في دائرة مطالب الثورة، لا ممارسات شاذة تضعنا في قلق شديد وخوف من توجه للاستبداد وعودة الطغيان، ولا زالت دائرة المشاركة متاحة ومعقولة، وهناك تنوع رغم أن مفاصل القوة الأساسية في الحكومة بيد تيار من جماعة واحدة، وهذا حق لكل من يريد الحكم وتسيير أمور البلاد ، فكل الحكومات في الغرب هنا تأتي من حزب واحد، و يتم استبدال كل الوزراء و المسؤولين الكبار من الأحزاب المناوئة بأفراد من الحزب الحاكم الجديد .
لكن اليوم يثبت الرئيس الشرع ومن معه مقدرتهم على الحفاظ على مؤسسات الدولة ولو بالحد الأدنى حسب المتاح، و تسيير أمور الناس ولو بالحد الأدنى وحسب الإمكانيات، والعمل على إطلاق إعادة البناء وكسب ثقة الدول لكي تعود البلاد لموقعها، ولا ثقة لي شخصياً مطلقا بكل الأصوات المشوشة، فقد جربنا مجالس وائتلافات وتجمعات وأحزاب لم تحرر معتقلاً واحداً ولم تعد مهجراً واحداً لبيته أو تعيد شبر أرض، ولم تفرض اعترافاً دولياً بسيطاً .
كل هذا يجعلني في أسوأ الأحوال مراقباً حذراً للأوضاع ينظر بتفاؤل إلى أن الأيام القادمة ستأتي بالأفضل، و أن كل الأصوات الصادقة التي تنتقد ستساهم في تصحيح الأخطاء والتعافي السريع، أما الأصوات التي تنبح وتصرخ بهستيريا لأن الشرع لم يتوسل لها لتقبل منصباً، أو يتنازل لها عن السلطة، أو لأنه بلحية وزوجته محجبة، أو لأنه لم يوزع الوزارات بطريقة المحاصصة، فهؤلاء أعداء للبلاد وأهلها، و سوف يجدون منا مواجهة لا تقل ضراوة عن مواجهة عصابات الأسد المجرمة بحق الوطن والشعب .. .
وعليه، فإن ما نشهده اليوم ليس فقط انتصار وطن وشعب وثورة على حقبة الاستبداد، بل سقوط كل الأوهام، وبقاء الوقائع، ففي السياسة، كما في الحروب، من لا يقرأ الواقع كما هي، يُحكَم عليه بتكرار الأزمة الكارثة للوطن .. .
عاشق الوطن ..
د. سليم الخراط

















Discussion about this post