كتب الإعلامي أحمد رفعت يوسف
عادة يستطيع الخبراء والمراقبين، والمحللين السياسيين، قراءة الأحداث وتحليلها، من خلال معطياتها، وشخصياتها، وتوقعاتها، ومساراتها، وغالبا يستطيع الأذكياء والحياديين من هؤلاء، تقديم استنتاجات وتوقعات صحيحة، إلى حد كبير..
لكن ماذا يمكن أن يفعل المراقبون، مهما بلغوا من الذكاء، مع شخص بأطوار غريبة، يجلس على كرسي الرئاسة، في أقوى دولة في العالم..
يحلم بجائزة نوبل للسلام، فإذا به ينفذ أخطر انواع الاعتداءات، واكثرها حساسية..
قال انه سيوقف الحروب، فإذا به يشعلها..
يندفع في الكلام والقرارات، ويتراجع عنها بسرعة..
قال انه سيعيد لأمريكا عظمتها، فإذا به يزيد من تورطها في الحروب، التي لا تعيد لها لا هيبتها، ولا قوتها، والقصة أنه يستخدم ما لدى أمريكا من قوة تكنولوجية.
مع ان ضرب ترامب للمواقع النووية الإيرانية، لم يكن مستبعد، لكنه لم يكن متوقع، بهذه السرعة والتوقيت.
فالكل كان يحذر، من خطورة هكذا خطوة..
ووزير الخارجية الإيراني موجود في جنيف، ويجري محادثات مع ثلاثة وزراء اوروبيين، وهناك اقتراحات على الطاولة، تتعامل معها إيران بإيجابية، وترامب نفسه قال، إن أمام الدبلوماسية اسبوعان، لكنه لم يمنحهم سوى ساعات.
كل بياناته قبل العدوان، كانت تقول لا شيء الآن، لكنه خدع الجميع، ونفذ ضرباته.
هو يشبه في ذلك، السائق الذي يشير إلى الاتجاه يساراً، ثم ينعطف يميناً.
الجميع يؤكد بأن سبب تراجع أمريكا، وتفوق الصين عليها، هو الحروب التي تشنها أمريكا، وتمويلها الباهظ، ومع ذلك يدخل ترامب، أمريكا والمنطقة والعالم، في أتون حرب، في أكثر مناطق العالم حساسية، وأصبح الوضع معقد أكثر، وبانتظار تداعياته..
بالتأكيد لأمريكا حساباتها، المتوحدة مع الحسابات الإسرائيلية، ولكن أحداث وقوانين التاريخ، تؤكد أن ليس كل القرارات تكون صائبة، وقد تكون مدمرة، ومميتة أحياناً، وهناك في صورة الحدث اليوم، معطيات لا يمكن تجاهلها، أو القفز فوقها، ولنقرأ بهدوء بعض تفاصيل هذه الصورة، بعد العدوان الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية:
العدوان سيدمر بالتأكيد، الكثير من هذه المنشآت، ويؤخر برنامج إيران النووي، لكنه لن يوقفه، ولن يجبر إيران على الاستسلام، ولا نعرف ماذا تخبئ إيران، وقد تلغي فتوى الخميني، بتحريم السلاح النووي.
إسرائيل التي قال ترامب، بأنها ستكون كثر أمنا بعد الضربة، تعرضت لأعنف رشقة صواريخ، منذ بدء المواجهة، وأصبحت منشآتها النووية، تحت الخطر، وهذا يؤكد بأن العدوان، لن يزيل الخطر عنها، وأن الصواريخ، تشكل خطراً أكبر، من السلاح النووي عليها.
تداعيات العدوان، لا تخص إيران وحدها، وإنما تعني كل القوى والدول المؤثرة، في المنطقة والعالم، ولا يستطيع أحد القول بأن الأمر لا يعنيه.
العدوان يكشف الأسلحة الأمريكية الاستراتيجية، في حرب مع طرف إقليمي، وليس أمام الأعداء التقليديين لأمريكا، مثل الصين وروسيا.
الصين المنافس الأول لأمريكا، وعدوها الاول، أكثر المسرورين للتورط الأمريكي في الحروب، وستكون أكثر سروراً، إذا تلقت ضربات موجعة، تفقدها هيبتها.
روسيا أيضاً، يسرها تلقي الولايات المتحدة، ضربات موجعة، وستكون أكثر سروراً، حدوث ارتفاع جنوني في أسعار النفط والغاز، التي تضع الاقتصاديات الأوروبية بشكل خاص، على شفا الانهيار.
أما المشكلة الأكبر التي يعانيها العالم اليوم، هو كيف سيكون آمناً ومطمئناً، مع شخص مثل ترامب، وهو يجلس على كرسي، أقوى دولة في العالم، وبيده تدمير العالم.
الخريطة الجيوسياسية في المنطقة والعالم، يعاد تشكيلها اليوم على الساخن، وما يجري سيكون له دور كبير، في تظهير الصورة النهائية لهذه الخريطة، وتحديد موازين القوى والقوة، في التوازنات الإقليمية والدولية.
أحمد رفعت يوسف
Discussion about this post