” أصبح امتلاك السّلاح في منطقتنا أكثر أهميّة من شهادة التّخرّج!” نعم تلك المدينة الهادئة الشامخة لم نعتد أن نتكلم عن الكرامة إلا وتكون هي في أول سطورها يؤسفني أنّ السّلاح بات رمزاً للقوّة فيها، نعلّقه على جدراننا كلوحةٍ فنيّة معبّرة، تصف مدى افتقارنا لمعنى “الإنسانيّة”. فأنت في زمان، مضطرٌّ لامتلاكه كي تشعر بالأمان، على الرّغم من أنّ أكثريّة المسلّحين خائفين أكثر منك. لكن إن امتنعت عن حمل السّلاح.. فاعتبر نفسك ميِّتاً.
زمان كنّا نلعب بالحجارة، والآن نلعب بالرّصاص. تطوّرنا يا جماعة!
لا أعلم كيف يقتنون الأسلحة لحماية أنفسهم، وهم الأكثر عرضةً للخطر من أنفسهم، وكأنّ لسان حالهم يقول: أحمل سلاحاً للدّفاع عن نفسي.. من نفسي!
تبدو وكأنّها مفارقة بيولوجيّة تولد وتنمو معهم.
البنادق والمسدّسات أضحت القدوة الرّشيدة بين أيدي المراهقين، الذين تبنّوا شعار آبائهم “الأمن يأتي أوَّلاً”، كشعارٍ لتحقيق الاستقرار من خلال التّرهيب. فبعضهم يتحاورون بالسّلاح باعتباره حواراً سلميَّاً، وينادون بالوطنيّة لتبرير مصالحهم الشّخصيّة.
أمّا عن أساليبهم في التّواصل، فمعظمهم يمتلكون ذوقاً فاخراً في التّعبير عن أفكارهم، والفضل يعود إلى التّربية رفيعة المستوى، التي تجعلك تشعر دائماً بالرّغبة في الاختفاء. كما أنّهم يتمتّعون بلياقةٍ بدنيّة عالية في اللّف والدّوران، فضلاً عن أنّهم يجيدون فنّ الكلام، لكنّ الكلمات تتبخّر بمجرّد خروجها من أفواههم. إنّهم معذورون، فالحقّ يقع على ارتفاع درجات الحرارة.
يتصدّرون الواجهة الاجتماعيّة (وجه السّحّارة) عن جدارةٍ واستحقاق، كيف لا.. وهم شخصيّات مهمّة جداً، لا يملكون الوقت لسماع رأيك، فهم أصحاب الرّأي الصّائب دوماً. يعرفون كلّ شيء عن أيّ شيء، وأنت مجرّد جاهل يستحقّ التّجاهل، فوقتهم مخصّص لإضاعة وقت الآخرين.
هم لا يرتكبون الأخطاء، وفي المقابل؛ ينتقدون أخطاء العامّة بابتسامةٍ متواضعة. إنّهم المثال المثاليّ “للرّجل الخاطئ في المكان الخاطئ”، فأينما داست أقدامهم، يتركون بصمةً لا تُنسى في إحداث الفوضى.
لا تسأل عن السّاعة إن أردتّ أن تعرف الوقت، بل اسأل عن صوت الدّرّاجة النّاريّة الأقرب إليك.
إنّ الرّابط العجيب بين الأسلحة والدّرّاجات مثيرٌ للاهتمام!، فلا أهميّة لسلاحك إن لم تكن تحمله فوق درَّاجةٍ ناريّة، تسير على دولابٍ واحد بسرعة (200 كم/د). تكاد أن تكون صفة راجحة أو ميّزة فارقة، يتطلّب وجودها عند شرائك لإحدى تلك الدّرّاجات.
وهي متاحة للجميع، دون تفاوتاتٍ طبقيّة أو مذهبيّة، فلا يهمّ إن كنت طفلاً أو غير مؤهّل، المهمّ هو حفاظك على معدّل الضّجيج.
بل إنّ الأمر أهمّ من ذلك بكثير، فالدّرّاجات النّاريّة صارت وسيلة للدّلالة على الرّجولة والبلوغ، وستصبح قريباً من المعلومات الأساسيّة التي يتمّ ذكرها في الهويّة الشّخصيّة، لتمييز الرّجال عن أشباه الرّجال.
مدينتنا تحوّلت لحلبة سباق، وساحة حرب مفتوحة في آنٍ معاً. ومع ذلك، نحن لسنا بحاجة لشرطة المرور، فالمتسابقون هم من يقرّرون متى يمكنك العبور، ومتى تتوقّف لتشاهد هذه العروض المجّانيّة. يجب أن تكون مستعدَّاً لمواجهة أيّ مفاجأة غير سارّة في أيّة لحظة، فالسّير في الطّرقات أصبح مغامرة، بل أقرب لأن يكون تجسيداً واقعيَّاً لفيلم أكشن.
أعتقد أنّ ما يحدث الآن، يرجع إلى الصّفقة التي عقدناها مع الطّبيعة، فقد سلبت من جوهرنا البشريّ العدالة والحكمة، ومن جهتها؛ منحتنا قانون الغاب ليسود هذا المجتمع، والذي بدوره تحوّل إلى مستنقعٍ من الفساد، يتصرّف أفراده تبعاً للمزاجيّة. والمحاكم إن استأنفت عملها، ستحكم بالهوى، فالمسؤولون هناك يتعامون عن النّصوص القانونيّة دون أيّ قيود، ممّا يجعلها مجرّد حبرٍ على ورق.
ما دام هؤلاء النّبلاء، المزيّنون بأرقى أنواع الأسلحة، يرفضون ارتداء القبّعات، ستبقى الأفكار العظيمة تتساقط على رؤوسهم.
Discussion about this post