أسيرٌ في متاهات شجوني..
—————————
خَلِيلِي- هَلْ تَوَسَّدَكَ اَلْعَذَابُ
وَأُرْهِبَكَ اَلْفِرَاقُ بِمَا يَهَابُ؟
وَهَلْ مِثْلِيْ تُرَاوِدُكَ اَلْهُمُومُ
وَتَرْتَعُ فِي مَآقِيكَ اَلْحِرَابُ؟
هَرِمتُ وَلَيْلُ أَشْوَاقِي دُهُورٌ
ذَوِى مِنْ بَعْدِ نَضْرَتَهِ اَلشَّبَابُ
أَنَا يَا قَلْبٌ تَأْسِرُنِي شُجُونِي
تَمَادَتْ فِي مَتَاهَاتي اَلشِّعَابُ
وَيَبْدُو طَيْفُكَ اَلْغَالِي وَيَنْأَى
كَمَا قَدْ يَخْدَعُ اَلرَّكْبَ اَلسَّرَابُ
أَتَانِي حَاجِبًا عَنِّي اَلتَّنَائِي
وَعَاركَ بَيَّنَ غُرْبَتَنَا اَلْحِجَابُ
وَكَانَ اَلْبَيْنُ أَقْوَانَا فَرَفُقَا
بِذَاتٍ لَيْسَ يَنْفَعُهَا اَلْعِتَابُ
أَلَّا يَاطِيفْ يَجْمَعُنَا وِصَالٌ
” إِذَا مَا شِبْتَ أَوْ شَابَ اَلْغُرَابُ ”
1 المقدمة
تعد قصيدة “أسيرٌ في متاهات شجوني” للشاعر الدكتور رفعت شميس نموذجًا للشعر الوجداني الكلاسيكي الممتزج بروح العصر، حيث يجسّد الشاعر معاناة النفس الإنسانية بين ألم الفراق ولوعة الشوق .
تعتمد القصيدة على لغة شعرية مكثفة، تستحضر التراث العربي من حيث الصور البلاغية والأوزان العروضية، مع إضفاء طابع ذاتي عميق.
- التحليل الموضوعي
أ. المحاور الأساسية للقصيدة:
- الحزن والفراق: يبدأ الشاعر بمناجاة الخليل (الصديق أو الحبيب) متسائلًا عن مدى معاناته مع العذاب والفراق، مما يوحي بتجربة شخصية مؤلمة.
- “خليلي – هل توسدك العذاب / وأرهبك الفراق بما يهاب؟” الشاعر يتساءل ولكنه في الحقيقة يقول : أنا أتعذب – وأعاني من رهبة الفراق ، ولذلك تراوده الهموم بينما ترتع في عينيه الحراب .
- الزمن والهرم: يشير إلى مرور الزمن (“هرمت وليل أشواقي دهور”) وكيف أن الشباب قد زال تاركًا وراءه شجونًا لا تنتهي.
- التيه والضياع: يتكرر رمز المتاهات والشعاب كتعبير عن الضياع الوجودي والعاطفي:
- “أنا يا قلب تأسرني شجوني / تمادت في متاهاتي الشعاب“. الشاعر أسير الأحزان لا يستطيع أن يتخلص منها .
- الوهم والسراب : يظهر الطيف كرمز للحبيب الغائب الذي يتلاشى مثل السراب، مما يعكس اليأس من لقاء آتٍ.
ب. الرؤية الفلسفية:
القصيدة تحمل رؤية وجودية تشكك في إمكانية الاتصال والوصل ، أو الخلاص من الألم، خاصة مع استخدام عبارات مثل “البين أقوانا “ (أي الفراق أقوى من أن نحاربه )، مما يوحي بقوة القدر مقابل ضعف الإنسان.
- التحليل الفني
أ. البناء العروضي والإيقاع:
القصيدة مكتوبة على وزن الوافر (مُفَاْعَلَتُنْ مُفَاْعَلَتُنْ مُفَاْعَلَتُنْ )، وهو وزن يحمل إيقاعًا متوازنًا بين الحزن والترنم، مناسبًا لطبيعة الموضوع الوجداني.
التكرار في كلمات مثل “شجوني” و”متاهاتي” يعمق الإحساس بالحزن والاستمرارية.
ب. الصور البلاغية:
الاستفهام بسؤال العارف : “هل توسدك العذاب؟“ — انه يعلم بأن العذاب يهيمن على الحبيب البعيد ، انه تركيب يوحي بالألم المتبادل.
التشبيه البليغ : مقارنة طيف الحبيب بالسراب يُظهر خداع الأمل.
- الرمزية :“الحراب“ في العيون ترمز إلى جروح الهموم – كثرة البكاء وكأن العيون تنزف ألما وقد أصابتها الحراب ، و“الليل“ رمز للوحشة الطويلة.
- و”الحجاب ” الحاجز الذي فصل بين الحبيبين وانتصار الفراق .
- شاب الغراب : الغراب لا يشيب وهذا يعني فقدان الأمل تماما .
ج. اللغة والأسلوب:
- اللغة تقليدية جزلة ، هناك الفاظ قوية مستلهمة من التراث ، ( البين – السراب – ترتع ) ..
- الجمل القصيرة المكثفة (مثل: “وعارك بين غربتنا الحجاب”) تعكس الإحساس بالعزلة المفاجئة.
- النقد والتقييم
أ. نقاط القوة:
- العمق العاطفي: نجح الشاعر في نقل تجربة وجدانية صادقة عبر صور ملموسة.
- التماسك البنائي : توازن بين الأفكار والصور دون حشو أو انحراف.
- التوظيف الذكي للتراث : مثل اقتباسه من الشاعر النابغة الذبياني “إذا ما شبتَ أو شاب الغراب” في نهاية القصيدة، الذي يضيف بعدًا تراثيًا.
ب. نقاط الضعف:
المبالغة في الانزياحات البلاغية :ب عض الصور (مثل “الحراب في المآقي”) قد تبدو متكلفة.
- الخاتمة
- قصيدة “أسيرٌ في متاهات شجوني” تعكس براعة الدكتور رفعت شميس في توظيف اللغة الشعرية الكلاسيكية لخدمة موضوع معاصر ، وهي تنتمي إلى شعر “الوجدانيات” الذي يلامس أعماق الذات الإنسانية. رغم تقليديتها، إلا أنها تبقى نابضة بالحياة بسبب صدق العاطفة وقوة التصوير.
اقتراحات للتوسع:
- دراسة تأثير الموروث الصوفي في رمزية “الطيف” و”السراب”.
- مقارنة القصيدة بأشعار الفراق في العصر العباسي (كالمتنبي أو ابن زريق).
Discussion about this post