قراءة في ثلاثية ق ق ج ” خناجر زانية ” للكاتبة إلهام عيسى/سوريا
بقلم الناقدة سعيدة بركاتي/ تونس
#القراءة :
** خناجر زانية ** :
تبعث الكاتبة إلهام عيسى الحيرة في المتلقي من خلال هذا العنوان الرئيس ، عنوان جمع العنف و العهر ، فالخناجر لاتخلف إلا سفك الدماء خاصة إذا كانت طعناتها غدرا ، أما الزنا فهو نتاج مجتمعات انحطت اخلاقها .
فهل هذا ماكانت تقصد تبليغه الكاتبة من خلال القصص الثلاثة ، و ما علاقة الخناجر بالزنا ؟ قراءة نأمل أن تفك شفرات علاقة ثلاثية القصة ق ج للكاتبة السورية الدكتورة إلهام عيسى والتي ستكون تحت مشرط القارئ و الناقد في نفس الوقت ، فيطرحا السؤال الكبير : ما الشيء الذي استفز الكاتبة حتى تطلق مثل هذا عنوانا للثلاثية ؟
لنتفق أولا انه :
ليس بالضرورة من يحمل خنجرا يكون مجرما و محبا لسفك الدماء ، بعض الشعوب تحمل الخنجر كرمز للهوية
أما الزنا فلم يخلو منه مجتمع ، هذه الظاهرة نتاج الجهل و ضعف الإيمان وهي من الكبائر ، يقول الله تعالى : و لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة و ساء سبيلا : الإسراء 32 .
لكن حين يرتبط الخنجر بالزنا فهي الحيرة الكبرى ؟ و نقترب من بعض الجرم بين فعل الخنجر و الزنا .
##########
++ القصة الأولى : يالضمير الكون !
يالضمير الكون !
رشقات في شقوق الذاكرة .. تعصف رياح الخريف .. تنذر بموسم حصاد الاوراح .. زوابع تلف المكان تقض المضاجع .. هكذا وجدوا تدوينا في ضمير الكون : ( اصنعوا منها صلصالا لكسر صخرة الضمائر ) .. !
القراءة :
انطلاقا من عتبة العنوان الذي جاء مقترنا بالتعجب ، و تستخدم علامات التعجب :للتعبير عن المفاجأة أو الصدمة أو الإنفعال القوي تجاه شيء ما (حسب قاموس كامبريدج) فالعنوان جاء في جملة “تعجبية ” ارتبط بضمير الكون .
القصة صراع بين “تدوينة في ضمير الكون لو يصنع منها صلصالا لكسر الضمائر ” ( هنا الدهشة ). الكاتبة استعارت من الطبيعة ثورتها :تعصف رياح الخريف / زوابع تلف المكان / : رياح الخريف عادة ما تأتي لتعرية الأشجار حتى تتجدد أوراقها و تفعل بجسم الإنسان ما تفعله بأوراق الشجر ، أما الزوابع إشارة للإنتباه و اليقضة من السبات عسى نور برقها يتسلل ” في شقوق الذاكرة ” . رغبة الكاتبة في التجديد ،و الرياح بصغة الجمع لا خوف منها كما تأتي في صغة المفرد لكنها “تنذر بحصاد الأرواح ” جملة لها علاقة مباشرة مع العنوان الرئيس “خناجر زانية” و الانذار بالشيء قبل وقوعه هو تنبيه كي يتخطى المرء أسبابه .
كانت قفلة القصة أمرا لو تحطم تدوينة الكون صخرة الضمائر انطلق بفعل “اصنعوا” ،و الصناعة حاجة ملحة . كي يستمر تقدم الشعوب . و التحطيم يأتي بعده البناء .
فالقصة دعوة إلى تغيير السائد و لا بد من صحوة ضمير تحارب “ضمائر تلوثت بأوضاع الحاضر ، فضمير الكون في حالة حرب مع بقية الضمائر التي عراها و فضح المسكوت عنه بالرياح العاصفة و الزوابع . فالخناجر الزانية لا بد منها في هذه الحالة ،لربما
تستطيع هزم ضمائر تعجبت منها الكاتبة أو التخلص منها نهائيا و إعادة بناء المجتمعات من جديد . خناجر زانية ذات حدين : خناجر تهدم و أخرى تبني .
##########
++ القصة الثانية : منـــاجاة!
مناجاة !
الارض بدت بصورة عذراء
عبر بين المسارب والسبل
توقفت الرياح انزل الساري
ضمته امواج البحر بهدوء
تقيأ الموج كوابيس جاثمة
على شواطيء ناعسة
رسم بريشته ..
اخر مناجات له للبحر ..
ستمضغون حتما ..
بمحاجر متحجرة
القـــراءة :
ننطلق من العنوان عتبة القصة “مناجاة” : ( على غرار عنوان القصة الأولى اتبع بالتعجب ) اسم ،مصدر ناجى : فقهيا :مناجاة الله
و منها مناجاة النفس ،مساراتها ، ظل يردد عبارات المناجاة و الغزل . في الثقافة و الفنون :سطور أدبية تُعبر بها الشخصية في عمل أدبيا عما يدور بداخلها من أفكار و مشاعر بطريقة غير مترابطة أحياناً ويخاطب فيها الكاتب شخصا غائبا أو شيئا مجردا أو جمادا (معجم المعاني الجامع) ، فمن هو المُناجَى في هذه القصة و من هو المُنَاجِي ؟
القصة و كأنها أبيات شعر غابت فيها كثرة نقاط الفراغ إلا في الثلاث الأسطر الأخيرة ،
استعارة الطبيعة كانت مكثفة : الأرض / السبل/ الرياح / البحر / الشواطئ
عملية الاسقاط هذه على الطبيعة فيها العديد من الإيحاءات : يؤكد تعلق الكاتبة بالطبيعة ، قد تجد انتماءها الحقيقي و جذورها المغروسة في عمق تربتها و ما احتوت من عناصر .
عذرية الأرض :رمز الهوية و الوطن و المرأة : لم تطلها يد التشويه بعد.
أما البحر فكان العنصر المتحرك في القصة ” بمياهه و أمواجه ” : ضمته أمواج البحر في هدوء : الحالة الأولى للبحر بعد هدوء الرياح و انزال الساري ” لحظات الراحة في القصة و السلام ” الضمة و الطمأنينة بين أحضان البحر ” ” ربما السلام المؤقت ” و كأنه الهدوء قبل العاصفة فالبحر لا يؤتمن سكونه .
تقيأ الموج كوابيس جاثمة : انقلبت صورة الهدوء الى عنف الموج “فهل هذه صورة الخناجر الزانية “؟
بعد الهدوء بدأ البحر في تحريك أمواجه ،عملية التقيأ جراء شيء لم يستسغه بطنه و العملية مع الانسان تكون من الأعماق و متعبة ، هل البحر ازدحم باطنه بالكوابيس الجاثمة ؟ و الجاثمة : الثقيلة كالجاثوم الذي يثقل النفس و الحركة عند النوم ، فالشواطئ ناعسة ؟
فماهي الرسالة التي تحملها هذه القصة ق ج ؟
كثفت الكاتبة من الصور المأخوذة من الطبيعة في حالة الهدوء ” جمال المكان وشاعريته” و في حالة غضب حد تقيأ البحر من باطنه .
و تكون المنجاة : للبحر الذي مثل الهدوء النفسي و الثورة في نفس الوقت ،ما القصة إذن ؟
هو الصراع الباطني بين السائد و المرغوب “صراع الضمير ” : حتمية العواقب و لا مفر منها ،عملية المضغ التي اتصلت بمحاجر متحجرة :حسب موقع ويكيبيديا المحاجر بين موقع تستخرج منه الحجارة و التجويف العظمي في الجمجمة ، و في القصة العين هي الأقرب إلى التأويل . فالخناجر الزانية تقيأ منها البحر و ” تقيأها” و المشهد مخيف فهذا الصراع لم يكن الا من صنع البشر ليعانيه الانسان حين يقف عاجزا متحجرا كتم على نفسه جاثوما من صنعه .
و ما سيمضغونه إلا نتائج ما ” تحجرت عيونهم عن النظر إليه ” .
##########
++ القصة الثالثة :للشيطان أجنحة
للشيطان اجنحة !
تجمعن نجوم في قبة السماء .. اخذن يلطمن امام الرب ..
كان القمر وحده شاهدا على الجريمة المضحكة .. فيما اختذلت الشمس ردة فعلها بكسوف كلي دائم .. قالت حياءً من ارواح المفجوعين ..
الطوابير بلا نهاية .. والاعداد تتزايد بسجلات الامم غير الشريفة ..
هنا طفلة طلت اظافرها حديثا واخرى تشبثت بمصروفها واخرى احتضنت لعبتها.. ايدي اطفال خضبة كقلوبها ملاعب مرتعة .. الا بئس ما يعبدون !
القـــراءة :
تقترن الأجنحة عادة بالملائكة و قدرتها الفائقة في التنقل بين السماء و الأرض ” ملك الوحي”الذي ينقل كلام الله إلى رسله ،فكيف يكون للشيطان أجنحة !؟ ( تعجب ثالث للكاتبة ) إذا كان ابليس فهو من الملائكة لكنه توعد ذوي النفوس الضعيفة من البشر ، و استثنى المخلصين .
الجملة المفتاح في القصة : و الأعداد تتزايد بسجلات الأمم غير الشريفة :
من دنس شرفها ؟ هل للشيطان علاقة ؟
الكاتبة تتحدث عن أمم و “جريمة مضحكة كان القمر شاهدا عليها ،فأظلمت الدنيا بخسوف الشمس . القصة مدججة بالمظالم حد أظلم الكون ،ظلم أمم لأمم .( الكون حزين : صورة قاتمة لمشاهد القصة )
من هم ضحايا المظالم ؟ :الطفولة و البراءة :طفلة طلت أظافرها حديثا / لم تفرح بعد بزينتها .
أخرى تشبثت بمصروفها : لم تنفق قطعاتها النقدية بل بقيت في يدها ، و فعل تشبث يوحي بضحية سقطت كانت القطع النقدية “بيدها” شاهدة على مصرعها .
أخرى احتضنت لعبتها : واللعبة عند الأطفال حلم إذا تحقق فقد كسب الدنيا و ما فيها (المشهد من يوم عيد ) ، فالكاتبة في حالة رعب مما تشاهد فهي تتنقل من مشهد إلى آخر بسرعة لنقل الصورة المرعبة : طفلة / اخرى / اخرى …
و من الطفولة كثير أشارت لها الكاتبة بنقاط الفراغ حتى يملأها المتابع بالمشاهد التي يمر بها يوميا …( اغتصاب الفرحة البريئة) .
نرى المشهد توقف و كساه الحزن ، فاللطم في قبة السماء أمام ” الرب” .
الصورة التي نقلت القصة كانت بشعة ضحيتها الأطفال بدرجة أولى ، تخاذلت الأمم في انقاذها و صمتوا عن قول الحقيقة كالشمس تماما التي اختذلت و كان كسوفها دائم و هذا إشارة إلى الصمت الأممي الذي غاب عنه الواجب و تنصل حتى من دينه .
فالشيطان هذا ” الخنجر الزاني ” يحلق بأجنحته فوق ضمائر الأمم ( ضعيفة النفوس و المواقف ) فتزداد صمتا و بكما و نوما و لن تستفيق أبدا من سباتها لنصرة المظلوم و انقاذ طفولة تباد يوميا ،
أمم خائنة لمبادءها و ناقضة لعهودها : “أ لا بئس ما يعبدون ” ، فقد أصبحوا بأفعالهم هذه عبدة للشيطان الذي استباحهم و لن يجد أفضل من سماء ظلمهم و ظلامهم وصمتهم ليحلق بأجنحته فوق ضمائرهم.
++ حزم القصص و علاقتها بالعنوان الرئيس:
مع كل عنوان اتبعته القاصة بنقطة تعجب : حالة المبدعة في جميع القصص الواردة ، و حين يتعجب المرء من شيء فهو ” شاهد عيان و ما ينقله من صور فهي من الواقع و حقيقية ” .
اشتركت القصص في ذكر ” الضمير” الغافل عن الصدح بالحقيقة الواضحة كالشمس ، اشتراكها في المشاهد المؤلمة و المعاناة المتواصلة و الضحية الكبرى هي الطفولة و غفلة الأمم لمناصرة القضايا الإنسانية ، خناجر زانية كشفت عن المستور و المسكوت عنه كانت شيطانا محلقا في سماء الظلم ، كنا مع القصص الثلاثة و جرم الخناجر : ضمائر ميتة ، رائحة الخيانة في كل مكان ، و الثمن : طفولة بريئة دفعت ثمن صراعات لا ناقة لها فيها و لا جمل .
الأسلوب كان معقدا و دقيقا في نفس الوقت( أسلوب ق ق ج ) ، الجمل مشفرة و رموزها مكثفة أبدعت الكاتبة في اختيار الكلمات الدقيقة لتبليغ المعنى المقصود و هدفها المنشود لكتابة القصص، استعارت من الطبيعة أغلب المشاهد إلى درجة جعلتها تتكلم و تعبر على أوضاع الواقع فكان التأثير عميقا في القارئ و المشاهد اكثر عمقا .
===مما تركته ” الخناجر الزانية ” ===
++القصة الأولى
تنذر بموسم حصاد الأرواح /
هكذا وجدوا تدوينا في ضمير الكون : ( اصنعوا منها صلصالا لكسر صخرة الضمائر ) .. !
++القصة الثانية
تقيأ الموج كوابيس جاثمة / اخر مناجات له للبحر.. ستمضغون حتما ../ بمحاجر متحجرة
++القصة الثالثة
الجريمة المضحكة/ هنا طفلة طلت اظافرها حديثا/ ارواح مفجوعة / واخرى تشبثت بمصروفها واخرى احتضنت لعبتها../
بقلمي سعيدة بركاتي/تونس 🇹🇳
Discussion about this post